بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 7 مايو 2023

لمـــاذا نُصـــلّي؟..

(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)

 - العنكبوت: 45 -

لقد سبق معنا القول في تعريف الصلاة أن المصطلح مشتقّ من الجذر "صلة"، وقد وردت في القرآن الكريم برسمين "صلواة" و "صلاة"، بحيث كلما ذكر الله الأولى إلا وقيّدها بـ "الإقامة" ما يفيد الصلواة الشعائريّة (الحركيّة) التي هي علاقة عمودية بين العبد وربّه من جهة، وكلما ذكر الثانية إلا وقصد بها الصلات الأفقية بين العبد والغير. وكلتا الصلاتين (العمودية والأفقية) جعلهما تعالى من أركان الإيمان لا الإسلام لما بين المصطلحين من تكامل.../...

فالإيمان وفق تعريف القرآن يقوم على أركان ثلاثة: (الإيمان بالله، الإيمان باليوم الآخر، العمل الصالح، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة: 62. ونفس الآية تكررّت في سورة المائدة: 69. وبذلك يكون كل من توفّرت فيه الشروط الثلاثة التي ذكرها تعالى في الآيتين الكريمتين المشار إليهما أعلاه يعتبر مُؤمنا له أجره عند ربّه يوم القيامة ولا خوف عليه ولا هم يحزنون، وذلك بغض النظر عن العصر الذي عاش فيه أو النبي والرسول الذي تبعه.

والحقيقة أن من ذكرهم الله تعالى في الآية السافة جميعا، فرض الله عليهم نفس الدين ونفس الشريعة ونفس مناسك العبادات مع اختلافات طفيفة من أمّة إلى أخرى تماشيا مع ظروف وشروط الزمان، ومنها الصلاة التي نحن بصددها.

فالصلاة وإن كانت ركنا أساسيا من أركان الإيمان لورودها في القرآن الكريم بصيغة الوجوب لقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا) النساء: 103، إلاّ أنّها لا تعتبر غاية في حد ذاتها بقدر ما هي وسيلة لتحقيق هدف أخلاقي مرحلي يتمثل في تجنّب المؤمن لارتكاب الفحشاء والمنكر، تمهيدا لغاية أسمى ألا وهي التقوى، والتي لا تتحقق إلا من خلال ممارسة كل ما فرضه الله من عبادات بالشروط التي ورد ذكرها في محكم التنزيل، والتي تختلف عن العبادات بالشروط التي وضعها لها الفقهاء لأسباب لا علاقة لها بالدّين بقدر ما تخدم السياسة.

وبهذا المعنى فالعبادة التي خلقنا الله من أجلها لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) الذاريات: 56، هي الوسيلة الوحيدة بالنسبة لنا لتقويم أخلاقنا وإعدادنا لنحيا حياة صالحة في الدنيا، والسبيل الوحيد لخلاصنا في الآخرة، ما دُمنا قد عقدنا الميثاق مع خالقنا في عالم الدّر والأنوار العلوّية حين شهدنا على أنفسنا بأنه ربّنا (الأعراف: 172)، وقبلنا بحمل أمانة التكليف طوعا لا كرها قبل خوض التجربة الأرضيّة (الأحزاب: 72)، هذا في الوقت الذي رفضتها السماوات والأرض والجبال وأشفقنا منها. 

وفيما له علاقة بالهدف المرحلي من إقامة الصلاة الشعائرية جوابا على سؤال: - لماذا نصلّي؟: يقول الرحمن جلّ وعلى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) العنكبوت: 45. 

ومعلوم أن الفحشاء والمنكر هما إسمان يُطلقان على كل ما عظم قبحه من رذائل الأفعال والأقوال، كالزنى والفساد وغيرهما من أفعال الشر التي تتعارض مع الفطرة الإنسانية السّليمة والأخلاق الحميدة. ومثال ذلك: التنابز بالألقاب، والشتيمة، والقذف، والغيبة، والنميمة، والغدر، والكذب، وقول الزور، والسرقة، والغش في البيع، والزيادة الفاحشة في الأسعار، وخلافه من الأفعال والأقوال التي تدخل ضمن ما يصنّف في خانة ما يؤذي الغير من شّر. 

وهذا معناه أن الصلاة التي هي صلة عمودية بين العبد وربّه تنعكس نتائجها الطّيّبة إيجابا على العلاقة الأفقية بين العبد والغير، فسبحان الله الخبير الحكيم.

ذلك أن تأثير الصلاة على المؤمن يتمثل أساسا في تهذيب أخلاقه، وتطهير فؤاده من الحقد والبغضاء والكراهية والحسد بسبب ما يكتسبه خلال ذكره لله وخشوعه في صلاته من معرفة صافية تبدّد عتمات الجهل الكامنة في عقله، وتضيء جنبات قلبه بنور ربّاني يوّلد لدى الإنسان الثقة والسّكينة والطمأنينة والسلام، بل والغبطة والسرور، خصوصا حين تتحوّل العبادة من مجرّد تكاليف روتينيّة تطاق بصعوبة، إلى طقوس عشق يشعر فيها العابد بأن وجوده من وجود الله وليس مختلف عنه فيذوب في نوره حد الفناء، وهو ما شعرت به رابعة العدويّة حين قالت: "يا رب أنا لا أعبدك خوفا من نارك، ولا طمعا في جنّتك، بل حبّا فيك". عند هذا المقام يبتهج الإنسان ويُسرّ، فيشعر بلذة لا توصف لأنها من مجال الذّوق، ومن ذاق ليس كمن لم يذق كما يقول محيي الدين ابن عربي في ردّه على من طلبوا من تلميذه الدليل على صحّة المسلك الصوفي، فطالبهم من جهته بالدليل على حلاوة العسل، قائلا إن هذا مثل ذلك، وأن الذوق لا يُستدلّ عليه بالكلام.

وبالمحافظة على الصلاة في أوقاتها كما حدّدها صاحب الدين في قرآنه، وبالمواظبة على ذكر الله بخشوع، وتدبّر القرآن بإخلاص، يقوى إيمان المسلم، وتزداد رغبته في عمل الخير، وتنعدم ميولاته لفعل الشر، فتتحقق الغاية الأسمى من العبادة ألا وهي تقوى الله، وهو تحوّل لا يحدث بين عشيّة وضحاها، بل يمرّ بأطوار، شأنه شأن ما تمرّ به كلّ عمليّة تغيير من مراحل، حيث يتحول الكائن من بشر ضال ومذنب إلى مسلم تائب ونادم، ثم إلى مؤمن عامل ومصلح، ثم إلى محسن كامل يستشعر وجود الله ومراقبته له في كل وقت وحين، لينتهي به الأمر في زمرة عباده الصالحين، وهذا بالضبط هو ما يستفاد من عبارة (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) الوارد في متمّ الآية 45 من سورة العنكبوت مباشرة بعد ذكر (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ).

والسؤال هو: - ما علاقة (ولذكر الله أكبر) بالصلاة التي (تنهى عن الفحشاء والمنكر)؟ ...

ذكر الله أكبر في الآية لا تعني التكبير للصلاة، بل تعني الجانب العملي التطبيقي لنتائج الصلاة. بمعنى أنه إذا كانت الصلاة تنهي عن الفحشاء والمنكر، فيجب أن يتجلى ذلك واضحا جليّا من خلال علاقة المصلّى بالغير، أي أن عليه في علاقته مع الغير أن يذكر علاقته بربّه في كل وقت وحين ليتجنّب ما نهاه عنه تعالى ويعمل بما أمره، فيعطي بذلك الأسوة الحسنة للمصلّي الذي يتوافق إيمانه مع عمله، بدليل أن الله تعالى أضاف في آخر الآية 45 من سورة العنكبوت عبارة: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) ليكون المؤمن على بيّنة من مراقبة الله له في ما يصنعه في حياتهم العمليّة من خلال علاقاته الأفقية مع الغير، وبذلك يتأكد من نهته صلاته عن الفحشاء والمنكر ممّن يصلّي مُكرها رياء الناس. (فتأمّل هذا التناغم الجميل في سلاسة الخطاب والتناسق الرائع والدقيق في تركيب المعاني).

وبالتالي، فمن لا تنهاه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، لأن الصلاة ليست حركات بهلوانية ولا طقوس فلكلورية يقوم بها العبد، ذلك أن الصلاة في حد ذاتها لا تنهى عن الفحشاء والمنكر إلا إذا ذكر فيها الله لقوله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) طه: 14. والذكر هو التنزيل الحكيم لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر: 9. ولا يكون ذكرا إذا اختزل في تكرار السور القصيرة كالببغاء بعجالة في كل وقت للتخلّص من ثقل الفريضة، لأنه إذا لم يكن ذلك رياء الناس فهو بالتأكيد نفاق لا يقبله الله، لأنه لا يعتبر صلة عمودية مباشرة وصادقة مع الله والتي يجب أن تتجسّد في استحضار ما أنزل على رسوله من وحي في الصلاة بالتدريج من فاتحة الكتاب إلى سورة الناس، يقرأ ما تيسّر من الذكر الحكيم في كل صلاة.. 

وهذا هو معنى (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ)، لأنه بتلاوة الذكر في الصلاة يتذكر الإنسان في مسالك الحياة المتشعّبة والمعقّدة ما أمره به تعالى وما نهاه عنه، والتوكّل على الله لا يكون إلا بالامتثال لتعاليم هذا الذكر الذي بفضله يتحوّل الإنسان إلى قرآن يمشي على الأرض أسوة بالرسول الكريم عليه السلام لقوله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب: 21. (لاحظ هنا الترابط الوطيد والجميل بين اتخاذ الرسول كمثال يحتذى به، والذكر الذي يعني تطبيق تعاليم القرآن الكريم). 

والحكمة من ذلك كما هو واضح، تكمن في أن الذكر لا يكون إلا بتلاوة القرآن بخشوع ينفتح خلاله العقل والقلب على وحي المعاني التي يلهمها الله تعالى لعباده المخلصين لقوله تعالى: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) طه: 114، لأن بيان معاني الوحي تكفّل به الله تعالى شخصيّا لقوله: (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) القيامة: من 16 إلى 19. وهذا هو معنى اتباع قرآنه، أي أن يقرأه العابد بالترتيب الذي هو عليه في المصحف الذي بين أيدينا والذي تكفّل الله بحفظه. وليس ضروريّا أن يكون الإنسان حافظا للقرآن الكريم، بل يمكنه أن يقرأ في صلاته ما تيسّر من الذكر مباشرة من المصحف، لما يوفّره هذا النوع من القراءة من تركيز. فكثير هم من يحفظون القرآن لكن لا يفهمونه ولا يطبّقون تعاليمه للأسف، مثلهم كمثل علماء بني إسرائيل الذين شبّههم الله تعالى بـ "حمار يحمل أسفارا".

وبما أن الخطاب القرآني موجه لفئتين: العموم والخواص.

- العموم: ويقصد بهم مجمل الناس العاديين، وهم من تكفّل الله تعالى بقذف معاني الآيات في روعهم طالما حافظوا على الصلاة الشعائريّة والتزموا بذكره فيها، هؤلاء يفتح الله عليهم بالفهم كل حسب مستواه وحاجاته من الدين ما دام تعالى سبق وأن وصف قرآنه بأنه بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين لقوله: (هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ) آل عمران: 138. وقوله تعالى في شأن بيانه: (كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ البقرة: 187. الأمر الذي يؤكد أن الله تعالى هو من سيبيّن للناس آياته لعلّهم يتذكّرون، ويعقلون، ويتفكّرون، ويتّقون، ويهتدون، ويشكرون: (البقرة: 221 – 219 – 242) و (أل عمران: 103) و (المائدة: 89). وغيرها كثير مما لا يسع المجال لذكره.

وهذا دليل على عدم جواز احتكار المعنى القرآني من قبل المفسّرين الذين يزعمون أنهم يتكلّمون بلسان الله ورسوله، وأن القرآن نص صعب ليس بمقدور العامة فهمه، هذا فيما الآيات المشار إليها أعلاه تكذّب هذا الزعم جملة وتفصيلا، ذلك أن الله تعالى لو كلّف الفقهاء بتبيان آياته للناس لجعل بينه وبين عباده وسطاء من جهة أولى، ولما استطاع الفقهاء إدراك معاني الآيات الحقيقيّة اعتبارا للمعارف المتوفّرة في زمانهم من جهة ثانية، ولأصبح القرآن نصّا مغلقا غير صالح لكل مكان وزمان من جهة ثالثة، وهو عكس طبيعته الإعجازية من حيث المبنى والمعنى معا. لهذا السبب تحديدا لم يفسّر الرسول عليه السلام من القرآن الكريم إلا النزر القليل جدّا ممّا استشكل على قومه فهمه في حينه، لتعلّق بعض الآيات بحادثات تاريخيّة.

- الخواص: ويقصد بهم العلماء والمتنوّرين كلّ حسب مستواه ومجال اختصاصه، هؤلاء هم من وصفهم تعالى بـ "أولي الألباب" الذين يتدبّرون القرآن بالعقل والمنطق، مستعينين في ذلك بالمناهج العلمية وما وصلت إليه العلوم في عصرهم، ومنهم من يلتزم بالقاعدة المنهجيّة الذهبية التي أوصى بها الرسول عليه السلام ومؤداها، أن القرآن يفسّر بالقرآن، وذلك انطلاقا من المحكم والمتشابه الذي أشار إليه تعالى في قرآنه، وأخذا في الاعتبار شروط وظروف الزمان والمكان لما يعنيه ذلك من تطور العلوم وتراكم المعرفة، مع مراعاة الثابت والمتغيّر بين الظاهر والباطن والحد والمطلع.. 

وهو ما يعني بالمختصر المفيد، وجوب التفريق بين المعنى الذي يعطيه ظاهر الكلام من حيث التفسير، ومدلول باطن الكلام الذي لا يدرك إلا بآليات التأويل، وأحكام الشريعة التي تستنبط من الحدود التي وضعها الله دون سواه، والمراد من خطابه تعالى لعباده الكامن في مطلع الكلام. 

ولهذا السبب تحديدا حذّر الرسول الكريم من فتنة الخوض في الأحاديث التي تُروى عنه كما ورد في الحديث الذي رواه الإمام عليّ كرّم الله وجهه، وذكره بنصّه الترمذي في سننه عن الحارث الأعور أنه قال:

"مَرَرْتُ فِي المَسْجِدِ، فَإِذَا النّاسُ يَخُوضُونَ فِي الأَحَادِيثِ، فَدَخَلْتُ عَلَى عَلِيّ، فَقلت: يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، أَلاَ تَرَى النّاسَ قَدْ خَاضُوا فِي الأحَادِيثِ؟ قالَ: وقد فَعَلُوهَا؟ قلت: نَعَمْ، قالَ: أَمَا إِني قد سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَلاَ إِنّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، فَقلت: مَا المَخْرَجُ مِنْهَا - يَا رَسُولَ الله-؟ قالَ: كِتَابُ الله، فِيهِ نَبَأُ مَا كان قَبْلَكُمْ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ، وَهُوَ الفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبّارٍ قَصَمَهُ الله، وَمَنْ ابَتَغَى الهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلّهُ الله، وَهُوَ حَبْلُ الله المَتِينُ، وَهُوَ الذّكْرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصّرَاطُ المُسْتَقِيمُ، هُوَ الّذِي لاَ تَزِيعُ بِهِ الأَهْوَاءُ، وَلاَ تَلْتَبِسُ بِهِ الالْسِنَةُ، وَلاَ يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ، وَلاَ يَخْلُقُ عَلى كَثْرَةِ الرّدّ، وَلاَ تَنْقَضَي عَجَائِبُهُ، هُوَ الّذِي لَمْ تَنْتَهِ الْجِنّ إِذْ سَمِعَتْهُ حَتّى قالُوا: {إِنّا سَمِعْنَا قُرْآنَا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرّشْدِ فَآمَنّا بِهِ}، مَنْ قالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ".

لكن الغريب أن من يسمّون أنفسهم بعلماء الحديث وليس لهم من العلم إلا التسميّة قالوا عنه أنّه حديث متنه صحيح لكن سنده ضعيف.

- فهل الإمام عليّ، بما هو ومن هو، يُعتبر شخص غير موثوق ليروي عن رسول الله ما قاله بشأن فتنة الاشتغال بالحديث؟.. 

- أم أن هذا الحديث تحديدا وبرغم اعتراف الشيوخ بصحّة متنه، إلا أنهم ضعّفوه من حيث السّند لا لشيء سوى لكي يشرّعوا الإسرائيليات والأحاديث المكذوبة على النبيّ عليه السلام كأصل ثاني من أصول الدين باعتبارها وحي أيضا وفق ما يقولون، وأن بعضها ينسخ آيات بيّنات من القرآن الكريم، بل وأن القرآن كتاب ناقص وفق ادّعائهم الذي يلامس الكفر بما جاء في آيات بيّنات تؤكّد أن الله أكمل للناس دينهم، وأن القرآن جاء تفصيلا لكل شيىء، وأنه تعالى لم يفرط في الكتاب من شيء.. 

وبذلك فتح فقهاء السلاطين وشيوخ الجهل والضلال الباب واسعا للفتنة التي أدّت إلى التفرقة في الدّين ضدا في أمر الله تعالى للناس بأن يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرّقوا في إشارة إلى القرآن، الأمر الذي حوّل الإسلام الجميل الذي جاء به القرآن إلى نسخة مشوهة إلى أقصى الحدود، كما يمارسه المسلمون في مختلف أصقاع الأرض منذ عصور ودهور؟

وبالتالي، ونظرا لكونية الرسالة المحمّدية ما دام الله تعالى بعث الرسول الخاتم رحمة للعالمين كافة، فلا سبيل للخروج من هذا الوضع الكارثي إلا بثورة معرفية عارمة، يكون هدفها الأساس الحسم مع الموروث بشكل نهائي لاستحالة تنقيته مما فيه من تناقضات تصل حد التضارب والتعارض مع الحقائق القرآنية، واستبداله بقاموس علمي جديد يعيد تحديد المفاهيم الدينية من القرآن الكريم بطريقة دقيقة دون سواه من المصادر ما دام القرآن لا يقبل الترادف، على غرار ما هو معمول به في اللغة العلمية التي لا تخضع للأهواء ولا تختلف مصطلحاتها الدقيقة بين عالم وآخر ولا من لغة إلى أخر، ذلك أنه حتى لو اختلفت رسوم الكلمات تظل المعاني هي نفسها.

وهذا هو السبيل لإنقاذ الأمة مما هي فيه من جهل وتخلّف وفقر وانحطاط وضلال، وإعادة الاعتبار للإسلام ليسموا إلى ما يجب أن يكون عليه كدين للعالمين، يعتنقه الناس بالقناعة لا بالوراثة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق