بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 21 يوليو 2023

ما علاقة الصحراء الغربية بالقضية الفلسطينية؟ ...

 


أثار اعتراف الحكومة الإسرائيلية بسيادة الدولة المغربية على الصحراء الغربية موجهة من الانتقادات من قبل بعض الفلسطينيين في السلطة (جبريل الرجوب وسفير فلسطين في الرباط نموذجا)، بالإضافة إلى بعض مغاربة الداخل الذين تفاعلوا على مواقع التواصل الاجتماعي سلبا مع الاعتراف المذكور بسبب ما روّجه له إعلام جار السوء من سموم من جهة، وبسبب ما ترسّخ في وعيهم الجمعي من سوء فهم لقضية الصحراء الغربية المغربية وعلاقتها بالقضية الفلسطينية من جهة ثانية، علما أن القضيّتان وإن كانتا منفصلتين من حيث الطبيعة السياسيّة لكل على حدة، إلا أنهما مقدّستان بالنسبة للمغاربة: الأولى لأنها وطنيّة، والثانية لأنها قومية عربية وإسلامية.../... 

ولا نريد الحديث هنا عن موقف الجزائر المعروف والذي اتخذ من القضية الفلسطينية سلعة يتاجر بها في سوق النخاسة السياسية حين ربطها زورا وبهتانا بقضية الصحراء الغربية، حيث اعتبر القضيتين مسألة احتلال وتصفية استعمار، هذا في حين أن المغرب سبق وأن أنهى مسألة استعمار الصحراء الغربية بالمسيرة الخضراء التي أرغمت مدريد على توقيع اتفاقية تسليم الأقاليم الجنوبية إلى الوطن الأم، وبالتالي، فعن أي استعمار يتحدث نظام العسكر في الجزائر؟. 

وبالنسبة للقضية الفلسطينية تجذر الإشارة إلى أن المغرب دولة تحترم نفسها، فلم يسبق للرباط أن زايدت على الفلسطينيين في قضيّتهم أو تخلّت عنهم، بل كانت دائما تقف في صفّهم وتدافع عن حقهم الشرعي في أرضهم التي حدّدوها هم في الضفة الغربية وقطاع غزّة والقدس الشرقيّة، متنازلين بذلك عن أرض فلسطين التاريخية بموجب اتفاقية أوسلو المشؤومة، وجاء ذلك بعد أن يئس الفلسطينيون من حلم تحرير فلسطين من قبل الأنظمة العربية التي، ولأسباب سياسية وأمنية، اضطر كل نظام إلى عقد السلام مع إسرائيل سواء في السر أو العلن، وحتى الجزائر في عهد بورقيبة كانت تقيم علاقات سرّية مع تل أبيب.

لن أعود إلى الماضي البعيد أيام جمال عبد الناصر وخلافاته مع قيادات الجيش المصري آنذاك وهزيمة الجيوش العربية المذلّة في حرب أكتوبر 67 بسبب خيانة المشير عبد الحكيم عامر، واستقالة جمال عبد الناصر بعدها التي رفضتها الجماهير المصرية المكلومة من هول الفازعة. وللإشارة فقد شكّلت هذه الهزيمة عقدة نفسيّة وسجّلت كنكسة تاريخية وصمت الوعي الجمعي للأمة العربية من المحيط إلى الخليج. 

وأذكر فيما أذكر حينها، أن كل المصلّين في المساجد من يوم الجمعة في العالم العربي والإسلامي كانوا يدعون الله وراء الإمام بأن يقتلع إسرائيل من جذورها ويحرق زرعها ويقطع نسلها.. لكن الله لم يستجب لدعاء مئات ملايين المسلمين، بل زاد الصهاينة قوّة ومنعة ودعم دولي وتأييد غير مشروط من القوى الكبرى، والسبب أن الدعاء من دون الاعتصام بحبل الله والأخذ بأسباب القوة لا يستجاب.

لكن كان هناك سبب آخر لما حصل بحيث ترتب عنه ما تعيشه فلسطين والأمة العربية اليوم، أدركته متأخرا وفهمت كم كنت مغفّلا حين كنت تلميذا أتظاهر في شوارع الرباط داعما لوهم الوحدة العربية وتحرير فلسطين زمن المد العروبي الذي كان يروّج لمقولة أن الوحدة العربية لا يمكن أن تقوم إلا بين الجمهوريات وبالتالي كان مطلوبا حينها القضاء على الملكيات العربية، وهو الشعار الذي ورثه المقبور القذافي عن جمال عبد الناصر،  فتحوّل الصراع من عربي - إسرائيلي إلى عربي – عربي، أما السبب الحقيقي الذي أتحدث عنه فيتمثل فيما حدث سنة 1979:

- الحادثة الأولى: بعد توقيع السادات لاتفاقية كامب ديفيد بأسابيع قليلة، صادف أن كنت مدعوا لحضور مؤتمر في القاهرة، وعند نزولي من الطائرة وركوبي السيارة التي أوصلني إلى الفندق، سألت سائقها: - ما سبب توقيع مصر (صاحبة شعار اللاّءات الثلاثة التي كان زعيمها الخالد ناصر يهدد إسرائيل بإلقائها في البحر) لاتفاقية السلام في كامب ديفيد والتي لم ترفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني كما روّج لذلك السادات في خطابه من المغرب بعد عودته من أمريكا؟.. فجاء الجواب صادما، قال السائق: لقد حاربت مصر لسنوات طويلة إسرائيل لوحدها وقدّمت الدماء والغالي والنفيس من أجل فلسطين، لكن لم تلقى المساعدة من العرب لدرجة أن اقتصادها انهار وساءت أحوال الشعب، وأصبح المواطن المصري يعيش المعاناة مع الفقر والفاقة، ولم يعد من الممكن تقديم مزيد من التضحيات بعد أن وصل السيل الزبى وكفر المصريون بالعرب والعروبة.

الحادثة الثانية: سافرت إلى الولايات المتحدة في نفس السنة بدعوة من احدى جامعاتها لحضور مؤتمر حول التنمية في إفريقيا، وعلى هامش ذلك نظمت لنا زيارات لمجموعة من المتاحف والمعالم التاريخية والسياحية في بعض الولايات الأمريكية توّجت باجتماعات في مقر وزارة الخارجية الأمريكية في واشنطن، وانتهت بزيارة إلى مركز الشرطة الفيدرالية في ولاية شيكاغو، وفي مكتب مدير شرطة الولاية أثارني الفضول فسألته عن عدد الفلسطينيين الذين يقيمون في أمريكا، فأخذني إلى قسم الكومبيوتر وطلب من الموظف المسؤول عن إحصائيات الساكنة أن يجيبني على سؤالي، وما هي إلا لحظات حتى قفزت الأرقام إلى الشاشة: 50 ألف فلسطيني كلهم مقيمين في الولاية آنذاك بطريقة شرعية، هاجروا من فلسطين المحتلة إلى شيكاغو، وضعهم الاقتصادي أنهم كلهم رجال أعمال، أفقرهم يملك "سوبر ماركت" من الحجم المتوسط، قدموا إلى الولايات المتحدة بحقائب أموال نقدية استثمروها في مشاريع مربحة. وعندما سألته عن مصدر الأموال ابتسم وقال إنهم باعوا ممتلكاتهم في فلسطين وقدموا للعيش بهناء في أرض الحلم الأمريكي. وعندما سألته عن إجمالي عدد الفلسطينيين في أمريكا اعتذر وقال إن ما لديه من معطيات هي فقط عن ولاية شيكاغو لا غير.

ولعل منا من لا يزال يذكر حملة بيع الفلسطينيين لمنازلهم وأراضيهم التي كانت قائمة على قدم وساق بعد هزيمة أكتوبر 67، لكن هناك من الفلسطينيين من هاجروا أرضهم محمّلين بحقائب نقود معتبرة، هؤلاء عرفوا حينها بأنهم من تجار الشنطة الذين باعوا قضيّة شعبهم وفضلوا الهروب الكبير من ويلات الحروب والمعاناة.. وإذا لم يكن هؤلاء خونة فلا خيانة في هذا العالم ولا من يحزنون.

اليوم الجزائر تروّج أن المغرب باع القضية الفلسطينية مقابل حصوله على اعتراف إسرائيل بالصحراء الغربية.. طبعا هذا محض هراء وافتراء، لأن تاريخ المغرب مع القضية الفلسطينية منذ صلاح الدين الأيوبي (باب المغاربة في القدس شاهدة على ذلك) وإلى يوم الناس هذا يشرّف كل عربي ومسلم، فالمغرب لم يتخلى بالمطلق عن حق الفلسطينيين في أرضهم ولا عن حق المسلمين في مقدساتهم، بل بالعكس، المغرب الذي كان في عهد المرحوم الحسن الثاني سببا في عقد اتفاقية السلام بين السادات وبيغين، بإمكانه اليوم المساعدة في الوصول لاتفاقية سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين لما لعاهل المغرب من تأثير كبير على مغاربة إسرائيل والذين يقدر عددهم بمليون يهودي ربعهم تبوّؤوا مناصب سياسية وإدارية هامة عبر التاريخ، هؤلاء اليهود ضاربة جذورهم في عمق الجغرافية والتاريخ بحيث تواجد أجدادهم في المغرب قبل أزيد من 600 سنة قبل المسيح عليه السلام، وكلهم يفتخرون اليوم بجذورهم وبمغربيتهم التي لا تسقط عنهم بحكم الدستور والقانون، ومعظمهم يعتبرون محمد السادس ملكهم لما لهم من ميل جيني للتشبث بالملكية التي هي جزء من العقيدة اليهودية، لذلك تجد المتدينين منهم خاصّة يعتبرون محمد السادس أميرهم، أي أمير المؤمنين بالمفهوم القرآني وليس المسلمين من أتباع الرسالة المحمدية فحسب لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) البقرة: 62. وبذلك فالمؤمنون بتعريف القرآن هم أتباع الرسالات التوحيدية كلّها، ولا وجود لديانات متعددة غير دين الإسلام ودين الكفر فقط لا غير بدليل سورة "الكافرون"، وكل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا إلا ويعتبره الله تعالى مسلما لأنه آمن بأركان الإسلام الثلاثة لا الخمسة التي قال بها فقهاء بنو أميّة، وذلك بغض النظر عن الرسول أو النبي الذي يتبعه المؤمن، وضدا في تعريف شيوخ الجهل وفقهاء الضلال لمفهوم الدين والإسلام والإيمان. 

وبالمناسبة، فالجزائر التي تتّهم المغرب بالتطبيع مع إسرائيل إنما تمارس التعتيم الإعلامي بجهل فظيع، ذلك أن التطبيع في مفهوم القانون الدولي لا يكون إلا بين دولتين متحاربتين يعقدان السلام ليعيدا علاقتهما إلى حالتها الطبيعية كما كانت قبل الحرب، والمغرب لم يكن في حرب مع إسرائيل ليطبّع معها، بل قطع علاقاته التجارية لأسباب تتعلق بالاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على الفلسطينيين وخصوصا في غزة.. واليوم قررت الرباط إعادة علاقتها مع تل أبيب لأسباب براغماتية تتعلق بمصالحها العليا المتمثلة في قضية الصحراء المغربية بسبب الجزائر بالذات، لكن دون التخلي عن القضية الفلسطينية كما فعلت الجزائر.

المغرب لا يسمح لمن يزايد عليه حول فلسطين، بدليل أن الجزائر التي تتاجر بالقضية الفلسطينية ليست لها سفارة في فلسطين بالمرّة، فيما المغرب الوفي لقضية أمّته له سفارة في رام الله، الأمر الذي يمثل اعترافا صريحا بدولة فلسطين على أرضها المغتصبة.

ولعله من نافلة القول التذكير بالمناسبة أن الجزائر قد تخلت بالفعل عن القضية الفلسطينية منذ سنين، بدليل ما صرّح به أمين عام صندوق بيت المقدس هذا الأسبوع حيث قال: "إن 87 % من المساعدات المالية التي تقدم لبيت مال القدس يقدمها المغرب، في حين أن الدول العربية مجتمعة تقدّم فقد 13 % الباقية، وأن الجزائر لم تقدم ولو فلسا واحدا للقدس أو القضية الفلسطينية منذ سنة 2011.

هذا الكلام وإن كان صحيحا إلا أنه ليس دقيقا، ذلك أن الجزائر بالفعل لا تقدم فلسا واحدا للقدس أو القضية الفلسطينية، لكنها من جهة ثانية تقدم ملايين الدولارات لتجار الشنطة الذين باعوا القضية الفلسطينية ويتاجرون بها في سوق النخاسة السياسية كالرجوب وغيره من أذناب سلطة عباس وجماعته الصهيونية التي لا يهمها إلا مصالحها الذاتية، ولا أدل على ذلك من أن محمود عبّاس الذي ينسّق أمنيّا مع تل أبيب لذبح الفلسطينيين المعارضين والمقاومين مقابل مجموعة من الامتيازات الاقتصادية التي يستغلها ومنها على سبيل المثال لا الحصر  رخصة شبكة الهاتف الجوال لشركة باسم ابنه وما خفي كان أعظم.

وبالنسبة لعلاقة المغرب مع إسرائيل، لماذا لم يستنكر الإسلامويون الذين ندّد بعضهم بالمقاربة الجديدة التي اتخذها المغرب للدفاع عن مصالحه الوطنية علاقة تركيا مثلا مع الكيان المحتل والتي يعتبرون رئيسها أردوغان بمثابة المرشح الأوفر حظا ليكون خليفة للمسلمين كما تبيّن إبّان انتفاضة فبراير 2011، وقد رأينا كيف أن خليفة الإخوان المتأسلمين هذا استقبل رئيس دولة إسرائيل استقبال الأبطال في موكب مهيب بأنقرة عام 2022.

 ثم أليست إسرائيل دولة معترف بها من قبل الأمم المتحدة وعضو فاعل في كافة المؤسسات الدولية؟.. بخلاف جمهورية الوهم المسمات بـ "الجمهورية الصحراوية الشعبية الديموقراطية" التي لا تعترف بها الأمم المتحدة ومع ذلك أقامت لها الجزائر دولة في الخيام وحكومة وجيش وتصرف عليها بلايين الدولارات لتستخدمها في حربها بالوكالة ضد المغرب بهدف تقسيمه وإلهائه عن المطالبة بصحرائه الشرقية التي انتزعتها منه فرنسا المجرمة وضمتها إليها زمن احتلالها للجزائر التي لم تكن يوما دولة إلا سنة 1962 بفضل اعتراف فرنسا بها بعد استقلالها وفق تصريح الجنرال ديغول نفسه، وقبل الاحتلال الفرنسي الذي دام زهاء 120 سنة كانت الجزائر خاضعة للاحتلال التركي الذي دام أزيد من خمس قرون، فعن أي دولة وعن أي تاريخ تتحدث العصابة الحاكمة في الجزائر؟

وإذا كان محرّم على المغرب الدفاع عن مصالحه القومية السيادية العليا بالتخالف مع من تتوفر فيه شروط القوة كأمريكا وإسرائيل وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وهولندا وغيرها من الدول الغربية المتقدّمة بالإضافة إلى معظم الدول الإفريقية وكافة الدول العربية خاصة الخليجية التي تعترف بسيادة المغرب على صحرائه وتقيم هي بدورها علاقات مع إسرائيل في السرّ والعلن، فلماذا تحالفت الجزائر مع ملالي إيران واستقدمت مليشيات حزب الله لتدريب الإرهابيين في مخيمات تندوف والذين جمعتهم من مختلف الجنسيات ككوبا ومالي والنيجر ومرتزقة فاغنير الروسية وغيرها، فحوّلت المنطقة إلى بؤرة إرهابية لضرب استقرار المنطقة باعتراف تقارير استخباراتية ألمانية وأوروبية وأمريكية؟

- هل يعتبر ما قامت به الجزائر من حسن الجوار وشيم العروبة وأخلاق الإسلام؟؟؟

ثم لماذا لا تعلن إيران الحرب على إسرائيل لتحرير فلسطين التي تتاجر بقضيتها بدل انشغالها بتحرير الصحراء الغربية المغربية من أهلها المغاربة الذين يعيشون فيها بأمن وأمان ورفاهية وازدهار، وتبعد عنها آلاف الكيلومترات؟.. أم أن هدف إيران تخريب العالم العربي من الخليج إلى المحيط كما فعلت بفضل ميليشياتها المسلحة في بنان والعراق وسوريا وحاولت من خلال أدواتها الدعوية إيقاظ الفتن المذهبية بين السنة والشيعة في مصر والبحرين والسعودية لاعتقادها أن زعامة العالم الإسلامي من حقها؟

ولأن الصحراء الغربية المغربية بسبب ما تنعم به من أمن واستقرار وسلام تحوّلت اليوم إلى قطب عالمي لجلب الاستثمارات الغربية ببلايين الدولارات، فلماذا لا تتدخل الأمم المتحدة لإنهاء معاناة جزء من الصحراويين (أقل من 20 %) الذين تحتجزهم الجزائر في مخيمات العار بتندوف بدعوى أن بلدهم منطقة حرب؟.. فأين هذه الحرب التي لم يسمع عنها العالم بالرغم من أن مرتزقة البوليساريو أعلنوا الغاء اتفاقية وقف إطلاق النار مع المغرب والتي بموجبها أرسلت الأمم المتحدة بعثة المينورسو التي فقدت شرعية تواجدها اليوم بالصحراء المغربية بفضل الأمن والسلام اللذان تنعم بهما.

خصوصا إذا علمنا أن قضية الصحراء المغربية لا علاقة لها بتصفية الاستعمار كما يروّج لذلك إعلام النظام الخبيث الفاسد والفاشل المتسلّط على رقاب الجزائريين الأحرار، ذلك أن المستعمر الإسباني سبق وأن خرج من الصحراء سنة 1975؟.. 

- فعن أي شعب وعن أية دولة صحراوية يتحدث نظام العسكر الجزائري صنيعة الاستعمار الفرنسي الخبيث؟

بل حتى الأمين العام للأمم المتحدة أعلن قبل أيام في تصريح مزلزل أن التاريخ لا يشهد بوجود كيان مستقل جنوب المغرب اسمه دولة صحراوية. هذا بالإضافة إلى أن استعمال النظام الجزائري لمصطلح "شعب" لوصف ساكنة الصحراء ليس صحيحا بالمطلق، لأن سكان الصحراء يُعرفون تاريخيا بالقبائل لا الشعوب، وإلا لماذا لا يسمح نظام الكابرانات لشعب القبائل بالجنوب بتقرير مصيره وتأسيس دولته انسجاما مع أطروحته الانفصالية التي يروّج لها بالنسبة للمغرب؟

بل أخطر من هذا.. لماذا خرق خادم العسكر المدعو "التبّون" دستور الجزائر الذي ينص على أن الدولة تشجع حق الشعوب المستعمرة في التحرر وتقرير المصير، واعترف بوحدة الصين على كامل أراضيها بما في ذلك التايوان التي تناضل من أجل استقلالها... فأين مبدأ تقرير المصير؟.. 

ثم لماذا لم يُحدّث المهرّج المُسمّى "التبّون" الرئيس الصيني خلال زيارته المشبوهة إلى بلاده عن معاناة مسلمي الإيغور مع القتل والتنكيل والتعذيب وكافة أشكال وألوان الظلم الذي يعانون منه دون سند أو معين يرفع عنهم المعاناة، كما وأنه لم يدافع عن حقهم في تقرير مصيرهم بحكم رابطة الدين والقيم الأخلاقية الإنسانية وانسجاما مع ما ينص عليه دستور بلاده من مقتضيات؟ 

واضح أن كل همه كان رشوة النظام الصيني بمبلغ 36 مليار دولار ليساند عسكر الجزائر في حربهم الوهمية ضد المغرب، وهو ما لم ينجح فيه بالمطلق لحرص الصين على مصالحها الحيوية مع المغرب بعد أن تحول إلى دولة استراتيجية مركزية بالنسبة لكل من يسعى إلى تحقيق مصالحه الاقتصادية في إفريقيا، ليتبيّن مدى رعب كابرانات العسكر من اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء والتعاون العسكري الكبير الذي بدأت ملامحه تظهر بين المغرب وأمريكا وإسرائيل في مواجهة كل من يخوّل له نفسه العبث باستقرار المنطقة، وبذلك أصبح من الواضح أن المغرب قد أنهى مسرحية العبث المملّة التي راهن على نجاحها النظام الجزائري لأكثر من خمسة عقود دون جدوى والتي ستكون سببا في نهايته التي تبدو قريبة أكثر من أي وقت مضى، والحقيقة أن كل ما نجح فيه بالفعل هو ما خلّفته مؤامراته الخبيثة ضد المغرب من تأثير سلبي على تنمية وازدهار شعوب المنطقة وحالت دون قيام تكتل المغرب العربي للأسف..

اليوم تبيّن بالملموس أن هدف الجزائر الحقيقي من مؤامراتها ضد المغرب لم تكن الصحراء الغربية التي لم يعد يشك أحد في العالم بمغربتيها باستثناء 25 دولة لا قيمة سياسية لصوتها في المنتظمات الدولية، بل هدف الجزائر الحقيقي كان إغراق المغرب في مشكل وهمي لإبعاده عن المطالبة بحقه في صحرائه الشرقية، وهذه هي الحقيقة التي لا يريدون لها أن ترى النور.

لكن وبعكس ما تشتهي سفنهم المتهالكة، ها هي الرياح تهب في غير صالحهم، خصوصا بعد تصريح مديرة الأرشيف الملكي التي تحدث قبل أيام عن قضية الصحراء الشرقية والوثائق والمستندات القانونية المغربية والدولية التي تدعم حق المغرب لاسترجاعها وفق مبادئ القانون الدولي، كما أن استعمال وزارة الخارجية المغربية لأول مرة لمصطلح "الصحراء الغربية" لم يكن عبثا، بل جاء ليلمّح بذكاء أن هناك صحراء شرقية مغربية أيضا سيتم قريبا المطالبة باسترجاعها لضمها إلى الصحراء الغربية لنكتم وحدة جغرافية الدولة المغربية الشريفة.

المغرب اليوم ذهب بعيدا في مسيرة التطوّر والتقدّم والتنمية في كل المجالات، وحقق معجزات اقتصادية كبرى حوّلته إلى قطب عالمي ليصبح مصنع إفريقيا، وقريبا ستصبح مدينة الدار البيضاء Smart City بمثابة نيويورك القارة السمراء، وتصبح الصحراء مركز عالمي لتوليد الطاقة النظيفة بفضل استثمار شركة بريطانية لمبلغ 100 بليون دولار في الطاقة الشمسية، كما وسيصبح المغرب البلد المحوري المتحكم في سوق الطاقة بأوروبا بفضل خط غاز نيجيريا. 

وهذا بالضبط هو ما يخيف نظام العسكر في الجزائر، لذلك نلاحظ اليوم سعار تصريحات ممثلهم "التبّون" الجنونية وهو يتنقّل كالمهرّج بين روسيا والصين وقطر في محاولة يائسة وبائسة للتشويش على المغرب بوهم تعطيل هذا الحلم الجميل الذي يعيشه المغاربة بعد أن انتظروه بصبر لعقود طويلة. وهذا أكبر دليل على أن الجزائر لم تكن صادقة عندما كانت تقول أنه لا علاقة لها بمشكلة الصحراء الغربية التي هي قضية قائمة بين المغرب وجبهة البوليساريو، لأنه لو كان ذلك صحيحا بالفعل، لما خرجت تنتقد اعتراف إسرائيل بمغربية الصحراء ما دام موقفها من القضية هو الحياد كما تنقول.

لذلك ومن أجله نقول، عندما يكون الموضوع هو الوطن يا سادة يا كرام، توضع الأقلام وتؤجل كل القضايا الخلافية، وليستعد كل مغربي حر شريف في الداخل والمهجر ليصطف وراء قائد الأمة وأميرها للدفاع عن أرضه وعرضه وشرفه ومستقبل عياله بكل ما يملك من قوة، وكفانا شعارات جوفاء لا تعيد حق ولا تحقق تنمية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق