بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 30 ديسمبر 2018

ثنائية الظاهر و الباطن (2/1)



هناك لحظتان فارقتان في حياة الإنسان: لحظة الولادة، ولحظة الموت. وإذا كانت الولادة مجرد انبعاث للروح الأزلية في مستودع الوجود المادي الفاني الذي هو عالم الظاهر، فإن الموت ليس النهاية بل فقط البداية لخلود الروح في عالم الغيب الذي هو عالم الباطن.. وبين العالمين يعيش الإنسان الحيرة الشديدة المعبر عنها بالضلال، سعيا للخروج من الدهشة والغفلة والجهل، في محاولة مستميتة لتلبية نداء الوجود، نداء آدم الذي سعى بعد طرده من الجنة إلى العودة إليها، بدافع غريزة الخلود، بعد أن يمر بتجربة المحبة وما تعنيه من معاناة وشقاء مع اللوعة والتوق والشوق.../...

الخميس، 20 ديسمبر 2018

التصوف و الإسلام



السؤال الذي يتبادر إلى الذهن كلما طرح موضوع التصوف هو: - هل التصوف نبتة إسلامية أصيلة أم بذرة خبيثة زرعت في الإسلام لتشويهه؟ 

الحقيقة أنه لا يمكن الجواب على هذا السؤال بمعزل عن الإشكالية التي يطرحها الموروث الديني في الثقافة الإسلامية، لأن ما تؤكده التجربة التاريخية هو أن هذه الثقافة قد خلفت لنا ثلاثة مواريث: الفقه وما يمثله من انغلاق وتطرف،  الكلام وما أنتجه من تعصب وقهر سياسي، والتصوف وما أنتجه من ثورة هادئة على المنظومة الدينية الظاهرية المتكلسة.../...

السبت، 17 نوفمبر 2018

العناصر الدخيلة على التصوف الإسلامي (2/2)


التصوف والتأثير اليهودي

بعد الديانة الفارسية والهندوسية والبوذية والإغريقية واليونانية والصينية، يعتبر آخر ما تفتقت عنه قريحة المنتقدين للتصوف، القول بأن بعض الصوفية المسلمين تأثروا بالعنصر التوراتي اليهودي. ويرى جولد تسهير، أن الصوفية تأثرت باليهودية مستدلا بدخول بعض اليهود الإسلام ووضعهم لكثير من الأحاديث النبوية (الإسرائيليات)، وأن نظرية التشبيه والتجسيم لدى اليهود تشبه نظرية الاتحاد والحلول لدى الفلسفة الإسلامية (المذاهب الإسلامية - ص: 32/33).../...

الجمعة، 16 نوفمبر 2018

العناصر الدخيلة على التصوف الإسلامي (2/1)


تمهيــــــد
ثم زعم حظي بنصيب من الرواج لدى الناس، ومفاده، أن التصوف هو دخيل على الإسلام، وأن لا علاقة له بالقرآن ولا بسنة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأنه تشكل نتيجة عناصر أجنبية تسربت إليه وأثرت فيه بشكل ملحوظ. غير أن مثل هذا الزعم يعبر عن موقف سطحي مسبّق، لا يستند على أساس من نص، أو من دراسة موضوعية لهذا المسلك الروحي الراقي الذي يمثل مستوى الإحسان في الإسلام بشهادة كبار علماء الأمة. ومرد ذلك، أن فقهاء القشور الظاهرية بشكل خاص، يتعاملون مع الدين من زاوية ضيقة تعتبر الرسالة المحمدية هي الإسلام وما سواها كفر، وتتجاهل بشكل سافر حقيقتين أساسيتين: .../...

الخميس، 15 نوفمبر 2018

التصوف: النشأة والتكوين (3/3)





الفرق بين الزهد والتصوف

يخلط البعض بين الزهد كما عرف عند الرهبان في الثقافة المسيحية والتصوف الاسلامي كما عرف في القرن الثاني والثالث الهجري، وهذا الخلط ناجم بالأساس عن جهل بمسار النشأة والتطور الذي عرفه التصوف الإسلامي، ما جعل هذا الأخير عرضة للانتقاد، فاتهم بأنه بدعة دخيلة على الإسلام، وهوجم بقوة من قبل فقهاء الرسوم باعتباره كفر وزندقة وشرك وعبادة للأولياء من دون الله.../...

التصوف: النشأة والتكوين (3/2)



إشكالية التوفيق بين الأحادية والخلّة
بمجيئ محيي الدين ابن عربي تغيرت صورة التصوف في الإسلام بسبب أطروحاته الجريئة حول معنى "الأحادية" ونظرية الوجود بين الوحدة والثنائية، وقوله أن نظرية الإتحاد والحلول التي قال بها بعض الصوفية كالحلاج وابن سبعين، لا تفيد ما تعطيه اللغة من معنى سطحي مجرد، فالحلول وفق تأويله، لا يشبه الحلول المادي (الجسم في الجسم)، أو "العرض في العرض"، أو "العلم في المعلوم"، أو "الفعل في المفعول"، بل يعني الوصول أو الإتحاد المتخيل لرؤية الصوفي لمحبوبه، وشعوره بالقرب منه، والإحساس بلذة الوصول الروحي أكثر منه الوصال الجسماني الذي يعطيه ظاهر الكلام (ابن عربي – الديوان – دار الكتب العلمية – بيروت ١٩٩٦ – ص: ٣٦٣).../...

الثلاثاء، 13 نوفمبر 2018

التصوف: النشأة والتكوين (3/1)



الأصول التاريخية للتصوف

يقول العالم هنري كوربان، أن التصوف ظهر لأول مرة لدى كبار أساتذة الصوفية الشيعة، متأثرين في ذلك بـ "الفلسفة النبوية" أو ما يعرف بـ "علم القلوب" لدى التيار الشيعي، وذلك قبل ظهور ما يسمى بالمذاهب، وفي المقابل، تبدو "الصوفية السنية" أقرب إلى هوى المستشرقين من "الصوفية الشيعة" حسب هذا التصنيف الطائفي (الفلسفة الإسلامية – ص: ٢٨٣ - ٢٨٤) .../...

الاثنين، 12 نوفمبر 2018

في مفهوم التصوف


انعتاق الروح من قبضة التشدد

لا يوجد للتصوف مفهوم محدد ولا منهج معين،  ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن التصوف كطريقة للوصول إلى الحقيقة تختلف بعدد أنفاس الخلائق، باعتباره تجربة فردانية خاصة أكثر منها تجربة جماعية، لذلك لم يفرز التصوف مدرسة فكرية أو مذهب إيديولوجي في مواجهة المذاهب الأخرى القائمة، بل من الطرق الصوفية من نشأت وعاشت في أحضان المذهب السني باختلاف توجهاته وهي الغالبية من الناحية العددية، و أخري تحت عباءة المذهب الشيعي بتعدد اتجاهاته وهي الأقلية بسبب التقية.../...

الأحد، 11 نوفمبر 2018

الإنسان بين الجبـــر وحرية الاختيار (3/3)


إن الإنسان الكامل، وفق ما يستفاد من قصة الخضر وموسى عليهما السلام في سورة الكهف، يكون مجبرا في اختياره يتصرف بأمر الله ونوره، لأنه يتبع عينه الثابتة في علم الله العلي العظيم كما يقول ابن عربي، ليخلص إلى نتيجة قاطعة حاسمة مؤداها، أن هذا الأمر دليل على أنه ليس في الوجود فاعل إلا الله تعالى، وأفعال العباد بجملتها (خيرا كانت أم شرا) منسوبة الوجود والاختراع إلى الله تعالى بلا شريك ولا معين لقوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) الأنبياء: ٣٥... / ...

الأربعاء، 7 نوفمبر 2018

الإنسان بين الجبـــر وحرية الاختيار (3/2)



المعصية مفتاح فهم ثنائية الجبر والاختيار..
في الواقع، أن قضية “المعصية” و “الشر” قد طرحتا بحدة عبر مختلف مراحل تطور الفكر الإنساني في إطار ثنائية “الجبر والاختيار”، حيث شكلت معضلة استعصت على الحل. كما أن الصوفية لم تفتهم معالجة هذه القضية من مختلف جوانبها لأهميتها في تشكيل رؤية متناسقة حول المسألة، لكن دون التوغل في الشرح، واكتفوا باللجوء إلى أسلوب الستر، باستعمال لغة الرمز والإشارة بدل التوسع في متاهات العبارة، لعجز اللغة البشرية وقصورها عن تقريب المعاني الباطنية المراد شرحها لذهن العامة. وهو ما يلاحظ من خلال مقولة الجنيد التي أوردناها في الجزء الأول من هذا المبحث.../...

الجمعة، 26 أكتوبر 2018

الإنسان بين الجبـــر وحرية الاختيار (3/1)


"وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر" محيي الدين ابن عربي
كيــف نحصــل علـى المعرفـــة الدينيـــة؟
هناك بعض القضايا الدينية الشائكة والخارجة عن مجال المألوف “التفكير فيه” من قبل العامة، لكنها تطرح على الباحث الذي يسعى إلى التنوير من وجهة نظر معرفية تحديات جبّارة تتجاوز قدرة العقل على فهمها بأدوات القياس المعهودة، ما يتوجب حتما الاستعانة بالحدس (Intuition) بمعناه الإيجابي الذي يعني (الحاسة السادسة) التي تستمد فهمها للأمور من نور القلب لا الظن والتخمين، وذلك لمعرفة الحقيقة بيقين كما يحثنا على ذلك الله تعالى، كي يتسنى لنا أن نسمّيها فيما بعد “تجربة معرفية”، ونقدمها للناس لتحررهم من جهلهم ومن نير عبودية الإقطاع السياسي والديني../...

الأربعاء، 17 أكتوبر 2018

الطريقـــة لولـــوج الحقيقـــة



بعد الشريعة والحقيقة تأتي الطريقة لولوج الحقيقة. وإذا كانت الشريعة هي البوابة الإلزامية لولوج عالم الحقيقة فالسؤال الذي يطرح هو حول الطريقة. لأنه وبخلاف اعتقاد أهل السنة والجماعة، يؤكد الصوفية أن الطريق إلى الله هو بعدد أنفاس الخلائق، لأن العلاقة مباشرة بينه وبين عباده ولا تمر عبر جماعة أو طائفة أو مذهب بدليل قوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر: ٣٨.../...

الأحد، 14 أكتوبر 2018

الحقيقـــة بيـن الفلسفـــة والديـــن

تمهيــــــد
الحقيقة مفهوم غامض وملتبس، نظرا لتنوعها باختلاف مجالاتها وأوجهها، ما يجعلها على المستوى البشري تتسم بالنسبية (نسبة لقائلها)، وهو الأمر الذي يطرح إشكالات كبرى في المجال النظري المعرفي، حيث اهتم المناطقة والفلاسفة والصوفية بالبحث عن تعريف دقيق لها خارج نطاق الأنساق الصورية السائدة، في محاولة لصبر أغوار جوهرها ومعرفة مدى ارتباطها بالأفكار المعبر عنها.../...

الجمعة، 12 أكتوبر 2018

مفهـــوم الشريعـــة (3/3)



بين شرع الله وشريعة الفقهاء


السنة بين الأسوة والبدعة

إذا كان الإمام الشافعي هو أول من اعتبر السنة أصلا من أصول التشريع، مشترطا أن تكون من الأحاديث المتصلة بإسنادها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الإمام أحمد ابن حنبل كان أول من حاول تأصيل السنة كمصدر للتشريع من نصوص القرآن، استنادا إلى قوله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا) الأحزاب: ٢١، فاستدل بهذه الآية على اتباع الرسول كأسوة في كل شيء بما في ذلك الأحكام، هذا فيما الأسوة التي حث عليها الله تعالى المؤمنين في الآية الكريمة مرتبطة بتطبيق ما جاء في الرسالة أي القرآن، وذلك لما تعطيه كلمة الرسول من معنى باعتباره مبلغ عن ربه دون أن يكون له الخيرة في أن يضيف أو يعدل أو يغير شيئا من عنده لقوله تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) المائدة: ٦٧.../...

الأربعاء، 10 أكتوبر 2018

مفهـــوم الشريعـــة (3/2)

 


بين شرع الله وشريعة الفقهاء

الشريعة من منظور الفقهاء 
لا يتفق فقهاء القشور مع المنظور القرآني للشريعة كما عرضناه في الجزء الأول من هذا المبحث، لأنهم يعتبرون أن القرآن ناقص لا يتضمن كل ما تحتاجه الأمة من أحكام، برغم قوله تعالى أن القرآن لم يفرط في شيء وأنه تبيان لكل شيء. لذلك، أسسوا ما أصبح يعرف بـ "أصول التشريع"، حيث أضافوا للقرآن أصلا ثانيا سمّوه "سنة"، فظل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم يتحدث على لسان الفقهاء لعشرات السنين بعد وفاته، وحين لم تسعفهم سنته، أضافوا إليها سنة الخلفاء والتابعين، ثم تبيّن لهم أن لا مناص من الاجتهاد بالرأي الذي تحوّل إلى أصل ثالث من أصول التشريع، فتفرقت الأمة إلى مذاهب ومدارس وتيارات وطوائف بزعم أن الاختلاف في الاجتهاد رحمة.../...