بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 18 أبريل 2023

هل الحجاب فريضة إسلامية أم شريعة يهودية؟ ..



متى كان الحجاب عنوانا للعفّة والطّهر والتقوى؟

عندما تحتجب المرأة المسلمة فهي لا تُرضي بذلك ربّها، بل تُرضي الفقهاء الذين حوّلوا شريعة اليهود إلى شريعة إسلاميّة. ذلك أن حجاب المرأة كما شرعنه فقهاء بنو أميّة وبنو العبّاس، لا علاقة له بالدين بل بالتقاليد المحلية لسكّان المشرق القديم (الشام والعراق والحجاز واليمن). أمّا أصل الحكاية فلها علاقة بالمعتقدات اليهودية مثلها مثل مسألة الختان الذي هو إجراء وقائي صحّي لمكافحة عدوى الأمراض التناسليّة بسبب شدّة الحرارة في المناطق الصحراوية وندرة الماء، ولا يمكن بحال من الأحوال أن تكون عملية قصّ الغرلة مثلا بمثابة تجديد للعهد مع الله كما يقول اليهود، ولا أن يكون الحجاب وسيلة للتقوى لأن الحجاب الحقيقي هو حجاب الإيمان الذي يحصّن المرأة من السّقوط في الرذيلة.../... 

وفي هذا الصدد، تشير بعض الكتابات التي تناولت العادات اليهودية القديمة إلى أن فرض الحجاب على المرأة العبرانيّة كان بهدف عزلها خلال فترات الطمث حتّى لا يلمسها الرجل بسبب غريزة الشهوة التي تثيرها، فيساهم بذلك في الحدّ من انتشار الأمراض التناسليّة، ومعلوم تاريخيا أنه في ظروف العالم القديم كانت المجتمعات تفرض العزل الصحّي كإجراء وقائي لحماية الناس من العدوى. من هنا نشأت عند اليهود فكرة عزل المرأة في فترات الطمث والولادة. والحقيقة أن هذا الإجراء الصحّي نجح بشكل كبير في وقاية الأقلّيّة اليهودية من الانقراض بسبب العدوى من جهة، وحافظت إلى حدّ ما على الجنس الإسرائيلي ومن الاختلاط مع الأجناس الأخرى بفضل الحجاب الذي كان يميّز المرأة اليهوديّة عمّا سواها من النّساء.

هذه الظاهرة الصّحّيّة استغلّها الكهنة العبرانيين الذين يتكلّمون باسم الله فحوّلوها إلى ظاهرة مجتمعيّة ودينيّة حين أضافوها إلى تعاليم شريعتهم المقدّسة، فأصبحت مخالفتها تعتبر عصيانا وتمرّدا على شريعة السّماء. ومن سخرية الأقدار، وبغض النظر عن مسألة حسن النّيّة من عدمها، فإن الفقهاء المسلمين ساهموا بشكل كبير في تحويل عديد القوانين الدينيّة اليهودية إلى شريعة إسلاميّة، ومنها ظاهرة الحجاب التي لم يفرضها القرآن على المرأة المسلمة كما سيأتي تبيان ذلك في سياق هذا المقال، الأمر الذي حوّل الموروث الفقهي لدى المسلمين إلى كارثة ثقافية لا زالت تعاني من تداعياتها الأمّة إلى يوم النّاس هذا، ولم ينجح الجدل الفكري بين القرآنيين والمعتزلة الجدد من جهة، وخصومهم السّلفيّين والتراثيين من شيعة معاوية في حسم عديد القضايا الدينية انتصارا للحقائق الدينية المنصوص عليها في كتاب الله الحكيم.

ولأن الكتاب المقدّس كما تمّ تزويره من قبل اليهود ينصّ صراحة على أن المرأة مخلوق "نجس" عاقبه الرب بقوله في التوراة: " وكلّم الرّبّ موسى قائلا.. إذا حبلت امرأة، وولدت ولدا، تكون نجسة سبعة أيّام، كما في أيّام طمث علّتها، تكون نجسة.. ثم تقيم ثلاثة وثلاثون يوما في دم تطهيرها. كل شيء مقدّس لا تمسّ. وإلى المقدّس لا تجيء. وإن ولدت أنثى، فتكون نجسة أسبوعين، كما في طمثها، ثم تقيم ستّة وستّين يوما، في دم تطهيرها". هذا وتفرض التوراة على المرأة أن تقدّم إلى الكاهن قربانا (خروف وفرخ حمامة أو يمامة) بعد انقضاء فترة عزلها لكي يقبل الله اكتمال طهارتها. وهي عادة تشبه ما يسمّى بـ "العقيقة" عند ولادة المرأة المسلمة، بحيث إذا كان المولود ذكرا تذبح شاتين، وإذا كانت أنثى تذبح شاة واحدة.

وبهذا المعنى، نجح الكهنوت في تحويل الطمث من ظاهرة طبيعيّة إلى لعنة ربّانيّة جعلت المرأة ناقصة عقل ودين كما هو سائد في الثقافة الدينيّة الشعبية. وكان من نتائج هذه الظاهرة الكارثيّة، أن أصبحت المرأة مخلوق جانبي منبوذ خلقها الله من ضلع آدم الأعوج، وبالتالي عليها أن تلزم جانب الرجل لا تحيد عنه قيد أنملة، وأن تطيعه في كل شيء ولا تخرج على أمره أبدا ليرضى عنها الرّبّ.

أمّا لماذا أصبحت المرأة منبوذة وعاقبها الرّب بالطمث وآلام الولادة ولم يجعلها مساوية للرجل في الحقوق والواجبات.. فلأنها تسبّبت في خروج آدم من الجنّة. من هنا استمد اليهود مقولتهم المشهورة بأن المرأة "كائن ملعون من الربّ"، وتأثرت بهذه المقولة الثقافة الإسلامية بفضل فقهاء الجهل والضلال، لأن ما لم يفهمه هؤلاء الكهنة، هو أن المرأة التي يعتبرونها "ملعونة"، هي جدّة وأمّ وأخت وزوجة وخالة وعمّة وغير ذلك ممّن يجمعهم الدين بأواصر الرّحم.. وهي أيضا الوالدة التي تلد الأطفال الأبرياء، وهي المربّية التي تسهر على تربيتهم، وهي المعلّمة التي يتخرّج من مدرستها الأصيلة الرجال الذين يؤسسون دولا وحضارات، ومن دونها لا يمكن لمجتمع أن يتقدّم، ذلك أن الطائر لا يمكنه أن يحلّق بجناح واحد، وهذا للأسف ما هو حاصل للمجتمعات العربيّة والإسلاميّة باستثناء المجتمع التركي الذي فهم اللّعبة في عهد كمال أتاتورك بعد أن سقطت الخلافة الإسلامية، فتمرد على التقاليد البالية دون أن يناهض تعاليم الدين الصحيحة.

ومن البديهي والحال هذه أن المجتمعات الإسلامية، وخصوصا منها التي تطبّق شرائع متطرّفة كتلك التي قالت بها المذاهب الظاهرية، أن تعاني المرأة فيها من السّلطويّة الذكوريّة التي تفرض عليها أن تلتزم في بيتها ولا تخرج للناس إلاّ داخل عباءة سوداء تغطي كل جسدها من قمة رأسها إلى أخمص قدميها، لتحوّلها إلى ما يشبه كيس قمامة أسود يمشي بين الناس. وبهذا المعنى يصبح حجاب المرأة عنوانا لمجتمع يؤمن بتعاليم التوراة المحرّفة بدل القرآن.    

ذلك أن القرآن لا يعتبر المرأة المسلمة الطاهرة النقية الشريفة امرأة "نجسة" أو "ملعونة".. فلم يقل مثلا إن الله خلق المرأة من ضلع أعوج كما روّجت لذلك التوراة المزوّرة، بل قال إنه خلق المرأة والرجل من نفس واحدة (الآية: 1 من سورة النساء).. ولم يذكر أن المرأة أغوت آدم فتسبّبت في طرده من الجّنة، بل حمّل الله آدم المسؤولية ثم تاب عليه بعد أن استغفر ربّه الأمر الذي يسقط نظريّة الخطيئة المتوارثة بين الناس جيلا بعد جيل التي قال بها العهد الجديد.. ولم يقل إن المرأة ناقصة دين بسبب مسألة الطّمث أبدا، بل ساوى القرآن بين المرأة والرجل في مسألة النّظافة ولم يأمر المرأة بتقديم قربانا للكهنة ليقبل الله طهارتها (الآية 6 من سورة المائدة)..  ولم يقل إن المرأة ناقصة عقل بسبب "الشهادة"، لأن ما جاء في الوصيّة وقت الوفاة يعتبر  حالة خاصة لا تعني أن شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين، بل الشهادة في الأساس جاءت متساوية بين الإثنين بدليل أن الشاهدة الثانية تأخذ فقط كاحتياط لتُذكّر الشاهدة الأولى في حال نست أو ضلّت عن شهادتها لأي سبب كان، وإذا لم يحدث ذلك فلا لزوم لشهادتها أصلا، لتصبح شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل في الوصيّة أيضا، بدليل قوله تعالى: (وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِّن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأخرى) البقرة: 282.  أكثر من ذلك، فقد أكّد تعالى في محكم التنزيل أن شهادة المرأة أقوى من شهادة الرجل، بدليل أنه أمر بالأخذ بها في مسألة خطيرة تتعلّق بحد الزّنا بديلا عن شهادة الرّجل حتى لو أقسم هذا الأخير على أنه صادق أكثر من مرّة (الآيتين 8 و9 من سورة النور).. كما وجعل شهادة المرأة مساوية لشهادة الرجل في رؤية هلال رمضان للصوم ما يؤكد أن المرأة تعتبر من العدول مثلها مثل الرّجل.. ولأن الله خلق المرأة والرجل من نفس واحدة فشهادة المرأة أمام القضاء تكون مساوية حكما لشهادة الرّجل في كل محاكم العالم. 

وبهذا المعنى لم يفرض الله الحجاب على المرأة في القرآن الكريم، لسبب بسيط وهو أنه تعالى يرفض مصدره التوراتي من أساسه، لذلك جاء القرآن ليصحّح عديد المعتقدات التوراتية المنسوبة إلى السماء والسماء منها براء.

أما الآيات التي ذكر فيها تعالى مسألة الحجاب فهي كالتالي:  

- (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) النور: 31.

في هذه الآية الكريمة طلب الله تعالى من نبيّه محمد عليه السلام أن يقول للمؤمنات من أمّته بأن يغضضن من أبصارهنّ عمّا يُكره النظر إليه حتى لا يتسبب ذلك بسوء فهم ينجم عنه تطاول من قبل بعض الجهلة على المؤمنات وذلك حفظا لفروجهن، وألاّ يبدين زينتهنّ إلا ما ظهر منها، وما ظهر منها يشمل الذراعين والرجلين حتى الركبة والوجه والراس. وأن يضربن بخمورهنّ على جيوبهن، والجيوب لا تشمل الرأس والوجه بل تحديدا المناطق الحسّاسة التي تقع تحت الإبطين وبين الثديين في الصدر وبين الفخذين فوق الركبة، وهي المناطق التي يجب أن لا تظهرها النساء إلا لبعولتهنّ أو غيرهم ممّا ورد ذكرهم في الآية الكريمة باعتبارهم من المحارم، أو الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم بعد. أمّا الضرب بالأرجل فيعني عدم قضاء الوقت في التّسكّع في الشوارع لإظهار زينتهن للأغراب بهدف الإثارة (الخلخال والأساور والقلائد والأقراط)، لأن الضرب في الأرض يعني السّعي بالمشي للكسب لا للاستعراض.  

- (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء الَّلاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) النور 60.

هذه الآية الكريمة تخص النساء الاّتي لا تلدن وأيضا النساء الاّتي يئسن من الزواج بسبب كبرهنّ في السّنّ، هؤلاء لا جناح عليهن أن يضعن ثيابهن المعتادة لكن شريطة ألاّ يتبرّجن بزينة وأن يلتزمن التصرّف بعفاف حتى لا يطمع فيهنّ الذي في قلبه مرض ولا يخاف الله.

- (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ ۚ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَىٰ ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) الأحزاب: 32 – 33.

هذه الآية الكريمة خاصة بالنبي عليه السلام ونسائه من (أهل البيت)، ولا علاقة لها بالنساء المؤمنات، بدليل قوله تعالى أنهنّ لا يشبهن بقيّة النساء، وبالتالي، فلا فائدة من الوقوف عندها لاستنباط ما لا يصحّ استنباطه منها ما دامت لا تفيد أحد اليوم بعد وفاة الرسول عليه السلام وآل بيته جميعا.

- (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَدۡخُلُواْ بُيُوتَ ٱلنَّبِيِّ إِلَّآ أَن يُؤۡذَنَ لَكُمۡ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيۡرَ نَٰظِرِينَ إِنَىٰهُ وَلَٰكِنۡ إِذَا دُعِيتُمۡ فَٱدۡخُلُواْ فَإِذَا طَعِمۡتُمۡ فَٱنتَشِرُواْ وَلَا مُسۡتَـٔۡنِسِينَ لِحَدِيثٍۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ يُؤۡذِي ٱلنَّبِيَّ فَيَسۡتَحۡيِۦ مِنكُمۡۖ وَٱللَّهُ لَا يَسۡتَحۡيِۦ مِنَ ٱلۡحَقِّۚ وَإِذَا سَأَلۡتُمُوهُنَّ مَتَٰعٗا فَسۡـَٔلُوهُنَّ مِن وَرَآءِ حِجَابٖۚ ذَٰلِكُمۡ أَطۡهَرُ لِقُلُوبِكُمۡ وَقُلُوبِهِنَّۚ وَمَا كَانَ لَكُمۡ أَن تُؤۡذُواْ رَسُولَ ٱللَّهِ وَلَآ أَن تَنكِحُوٓاْ أَزۡوَٰجَهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦٓ أَبَدًاۚ إِنَّ ذَٰلِكُمۡ كَانَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمًا) الأحزاب: 53.

هذه الآية وجّه فيها تعالى الخطاب للمؤمنين الرجال من أصحاب النبي عليه السّلام الذين كانوا يطرقون داره ويمكثون بعد الطعام والرسول يستحي من أن يطلب منهم الانصراف، فأمرهم تعالى بأن ينتشروا بمجرد انتهاء الطّعام إذا دعوا له، وإذا طرقوا بيت النبي لغرض ما فلا يُكلّمون نساءه إلاّ من وراء حجاب حتى لا يؤذوا الرسول، وحرّم عليهم نكاح نساءه من بعده. وواضح أيضا أن هذه الآية خاصة كان يعمل بها في حياة النبي عليه السلام ولم تعد قائمة اليوم إلا على سبيل العبرة.

- (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) الأحزاب: 59.

هذه الآية الكريمة لا علاقة لها بالحجاب أو الخمار، بل بالجلابيب التي هي عبارة عن ثوب مخيط يستر الجسد كله من الكتف إلى الأرجل تستعملها النساء عند الخروج من البيت، ومعلوم أن الجلباب لا يغطي الوجه والرأس. وقد ذهب المفسّرون إلى القول إن الغاية من ذلك هي تمييز النساء الحرائر من الإماء، حتى تعرف المحصنات الحرائر في الليل فلا يُؤذين من قبل من يتصيّد الفاحشة في الظلام. أما من قال بوجوب تغطية الرأس والوجه وإعفاء العين والحاجبين فقد أساء تفسير الآية لأن الهدف من الجلباب هو ترك الوجه ظاهرا وإلا كيف يمكن أن تعرف النساء المؤمنات والحرائر إذا تمّت تغطية الرأس بالخمار والوجه باللثام مثلا؟.. علما أن أمر الله لرسوله لم ينصّ على ذلك بالمطلق.  

والحقيقة أن لا علاقة للحجاب بما ترسّخت به صورته في العقل الجمعي للأمة بسبب ما روّجت له ثقافة القبور المستمدة من شريعة اليهود من أضاليل، بل فقط بما جاء به الذكر الحكيم في هذا الشأن من تعاليم واضحة وضوح الشمس في كبد السماء، بحيث أنّها لا تحتمل التأويل، ولا التغيير، ولا التزوير، ولا التحوير.

وبذلك، فالحجاب لم يشرّعه القرآن الذي يعتبر التقوى أعظم وأسمى حجاب للعفّة والطُّهر، ولا يمكن أن يعتبر الحجاب فرضا دينيّا بل مظهرا من مظاهر التقاليد المجتمعية المستمدّة من ثقافة القبور، ولأن الناس أحرار يلبسون كما يحلو لهم، فلا يحق لأحد أن يفرض عليهم باسم الدين ما لم يفرضه الله تعالى في كتابه. 

وبالتالي، فإذا كان الحجاب قد أصبح اليوم فريضة إسلامية يدعو لها فقهاء القشور لوضع المرأة في سجن الرجل إلى الأبد، فليس لأن مصدرها كتاب الله كما قد يتوّهم البعض ممّن لا يتدبّرون القرآن، بل مصدرها أن الفقيه السّلفي والتراثي حين يعضُ الناس لا يعضُهُم بما أمر الله، بل بما تعلّم من حاخامات اليهود الذين يزعمون أنّهم يتكلّمون بلسان الله، وذلك استنادا إلى حديث مكذوب على الرسول الكريم عليه السلام يقول: "خذوا عن بني إسرائيل ولا حرج". 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق