بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 24 يوليو 2023

كم عدد الصلوات المفروضة في اليوم؟ (10/10-1)

 

(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)

- النساء: 103 -

لقد سبق معنا تفصيل كل ما يتعلّق بالصلاة الحركية في الأجزاء التسعة السابقة، ووصلنا اليوم لما يتساءل عنه الناس حول عدد الصلوات وأوقاتها وركعاتها وطريقة أدائها والغاية الحقيقية منها. ولأن القرآن لم يبيّن ذلك بتفصيل كما فعل بالنسبة لبقيّة مناسك العبادات، فذلك لا يعني أن كتاب الله نزل ناقصا وبالتالي يحتاج لسنّة تكمّله وفق زعم الفقهاء، هذا افتراء على الله ورسوله وكفر بآياته البيّنات التي تؤكد أنه تعالى ما فرّط في الكتاب من شيء وأنه جاء تفصيلا لكل شيء وأنه أكمل للناس دينهم لقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) المائدة: 3، وهي الآية الكريمة التي استشهد بها الرسول الأعظم عليه السلام في خطبة الوداع ودعا المسلمين جميعا إلى الاعتصام بحبل الله في إشارة إلى القرآن دون غيره من المرويات.../...

كما أنه سبق وأن بيّنا في الأجزاء الفائتة أن كلمة الصلاة مشتقة من الجذر "صلة"، وقد وردت في القرآن الكريم برسمين "صلواة" التي تفيد الصلاة الشعائرية (الحركية) التي هي علاقة عمودية بين العبد وربّه، و"صلاة" التي تفيد العلاقة الأفقية بين الناس عموما والمؤمنين خصوصا، وبيّنا أن هناك تكامل بين الإثنين، بحيث تعتبر الصلاة الأفقية ترجمة واقعيّة لروح الصلاة العمودية ما دامت العلاقة مع الله لا تكون علاقة صادقة وقويّة إلا إذا كانت العلاقة مع عباده تمثل المصداق العملي لها.  

ولأن القرآن الذي فصّل طريقة الطهارة التي تسبق الصلاة العمودية فإنه لا يمكن أن يغفل عن تفصيل أوقاتها وطريقة أدائها، في حين أنه نظم القوانين والمبادئ الأخلاقية للصلاة الأفقية التي تربط الناس بعضهم ببعض، فالعقل والمنطق يستلزمان أن تقاس طقوس عبادات المسلمين على ما شرّعه تعالى لعباده في كتابه لا العكس، أي ألا تقاس صحة العبادة من عدمها على ما شرّعه الفقهاء واعتادت عليه الأمة بالاتباع بالرغم من أن الله صاحب الشريعة لم ينزل به من سلطان.

عدد الصلوات التي فرضها الله على عباده في القرآن:

لعلّه من نافلة القول التأكيد على أن عدد الصلوات التي فرضها الله على عباده في اليوم لا يمكن بحال من الأحوال أن تختلف عن أوقات الصلوات كما حدّدها تعالى في كتابه. ولأن الصلاة ليست من أركان الإسلام كما روج لذلك فقهاء القشور منذ عهد بني أميّة، بل من أركان الإيمان وفق ما تعطيه صيغة الخطاب لقوله تعالى:

- (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا) النساء: 103، ولم يقل المسلمين نظرا للفرق القائم بينهما من حيث المفهوم، خصوصا وأن الصلاة عبادة فرضها الله تعالى على جميع أبيائه ورسله والأمم السابقة ولم يستثني منها أحد باعتبارها الوسيلة المباشرة التي يتقرّب بها العبد من ربّه.

بمعنى أن الذي شرّع أوقات الصلاة الشعائريّة هو صاحب الدين لا الفقهاء، وبالتالي فهو من أمر المؤمنين كافة بأن يؤدّوها في الأوقات التي حدّدها دون تفريط، لأنه إذا لم يُقم المؤمن الصلواة في وقتها فيكون بالتالي قد أضاعها، ولا وجود في شرع الله لشيء يسمّى "قضاؤها" بدليل ان الله لم يجعل للصلاة في القرآن الكريم قضاء ولا كفارة، وكل ما يروّج له الفقهاء في هذا الباب هو محض افتراء واختلاق ما أنزل الله به من سلطان.

وكمثال على أهمّية أداء الصلاة في أوقاتها ما ذكره تعالى على لسان نبيّه سليمان عليه السلام حيث قال:

- (إذ عرض عليه بالعشيّ الصافنات الجياد * فقال إنّي أحببت حبّ الخير عن ذكر ربّي حتى توارت بالحجاب * ردّوها عليّ فطفق مسحا بالسّوق والأعناق) ص:31 – 32 - 33 

والمعنى أنه عُرض على نبيّ الله سليمان كهديّة بالعشيّ، أي آخر النهار قبل الغروب تحديدا، مجموعة من الخيول الأصيلة والسريعة في الركض، فانشغل بها لأن نفسه أحبت الخير ومالت إليه فانشغلت به عن ذكر الله إلى أن فاته وقت صلاة المغرب حيث غابت الشمس بعد أن حجبها ظلام الليل وفق ما يعطيه قوله تعالى (حتّى توارت بالحجاب) من معنى، فقال سليمان للملائكة (ردّوها) أي ردّوا الشمس إلى وقت مغربها حتى أصلّي لله المغرب في وقتها، وطفق هو وأصحابه يمسحون سوقهم والأعناق على سبيل مسح العرق والغبار استعدادا للصلاة. لكن الله لا يرد وقت فات لأن الزمن نهر يجري في اتجاه المستقبل ولا يعود للماضي أبدا، وبالتالي، فمن فوّت وقت الصلاة بدون عذر مقبول يكون قد أضاعها ولا وجود في القرآن الكريم لكفارة أو أمر بإقامتها في غير وقتها كما هو الحال بالنسبة لبقية شعائر العبادة كالصوم مثلا، ذلك أن الوقت عند الله هو الوقت، ودليل ذلك أن حتى الحائض لم يأمرها تعالى بقضاء ما فاتها من صلاة في حين أمرها بقضاء ما فاتها من صيام، وبذلك يكون الله تعالى قد أوضح الأمر لكل لبيب يتدبّر القرآن بالعقل.

وبالنسبة لأوقات الصللوات المفروضة يقول تعالى:

-       (وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفي من الليل) هود 114 

ما يعني وقت الغداة ووقت العشي، وهما طرفي النهار كأن تقول مثلا طرفي الخيط: أي أوله ومنتهاه. وهو ما يفيد وقت الفجر ووقت المغرب، ثم يضيف تعالى وقتا آخر سماه زلفا من الليل، أي ساعة يظلم الليل في أوّله، والإشارة هنا إلى صلاة العشاء. فجمع تعالى في هذه الآية الصلوات الثلاثة المفروضة وبيّن أوقاتها بالتحديد، ولم يذكر غيرها كالظهر والعصر التي قال بها فقهاء القشور ونسبوها للنبي، والنبي براء من ذلك لأنه لا يشرع لقومه خلاف ما شرعه الله لهم.

ودليل ذلك قوله تعالى: 

- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ۚ مِّن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ۚ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ۚ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ۚ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) النور: 58.

فذكر تعالى الصلاة مرّتان والاستئذان ثلاث مرّات، أي صلاة الفجر وصلاة العشاء. أما الظهيرة فأشار تعالى إلى أنها وقت خلع الثياب للراحة من تعب الكسب وقيض النهار، وبالتالي فما ملكت أيمانكم تعني الخدم رجالا ونساء، وللإشارة فما ملكت أيمانكم جاءت لتلغي الرّقّ وتستبدله بالإجارة، ويضيف تعالى في نفس الاية "والذين لم يبلغوا الحلم" ما يعني الأطفال غير البالغين، هؤلاء جميعهم أمر تعالى بأن يستأذنوكم قبل الدخول عليكم إلى مضاجعكم، وذلك قبل صلاة الفجر وبعد صلاة العشاء وعندما تعودون من عملكم وتخلعون ثيابكم للراحة ساعة الظهيرة بعد الغداء، وهذه هي العورات الثلاثة التي عادة ما يخصصها الرجال للاختلاء بحريمهم، وما سواها من أوقات لا حرج ولا نهي ولا منع في أن يطوّف الخدم والأطفال في ما بينهم خلالها. وبالتالي، فالمعنى واضح لا يحتاج لتأويل، فلا صلاة في الظهر أو العصر كما زعم الفقهاء زورا وبهتانا. 

وهناك عديد الآيات التي تتحدث كلها عن نفس أوقات الصلاة، منها قوله تعالى:

- (فاصبر على ما يقولون وسبّح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبحه وأطراف النهار لعلك ترضى) طه: 130 

في هذه الآية أيضا يؤكد تعالى على ما يُستحب فعله قبيل أوقات الصلاة، فيأمر رسوله الأعظم عليه السلام بأن يُسبّح بحمد ربّه قبل طلوع الشمس وقت الفجر، وقبل غروبها وقت المغرب، والتسبيح هو غير الذكر الذي يعني قراءة القرآن، ذلك أن التسبيح هو التحميد والتعظيم والتبجيل والتنزيه، وللإشارة فهي نفس الأوقات المعبر عنها في الآية 114 من سورة هود المذكورة أعلاه بصيغة (طرفي النهار).

يقول تعالى:

- (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا) الإسراء: 78

ويؤكد صاحب الشريعة في هذه الآية على نفس أوقات إقامة الصلاة الحركية التي هي علاقة عمودية بين العبد وربّه، أي من دلوك الشمس الذي هو وقت المغرب إلى غسق الليل الذي هو وقت العشاء وانتهاء بالفجر مع التذكير بأهمية قراءة القرآن في هذا التوقيت الباكر على وجه الخصوص لما لهذه القراءة من أجر عظيم لأن الملائكة تشهد على العبد الذي يقرأ القرآن في الفجر، ولا ذكر في هذه الآية الكريمة لصلاة الظهر أو العصر ولا لأية صلاة خلال النهار فرضا كانت أو نافلة بالمطلق.

يقول تعالى:

- (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبّحه وأدبار السجود) ق: 39

وهنا أيضا يؤكد تعالى على نفس أوقات الصلاة، أي الفجر والمغرب والعشاء مشيرا إلى أهمية التسبيح قبل صلاة الفجر وقبل صلاة المغرب وبعد الانتهاء من السجود في صلاة العشاء. 

يقول تعالى: 

- (ومن الليل فتهجّد به نافلة لك عسى أن يبعثك الله مقاما محمودا) الإسراء: 79، 

في هذه الآية الكريمة أمر تعالى رسوله الكريم بأن يُصلّي بعد فريضة العشاء نافلة يتهجّد فيها بالقرآن الكريم عسى أن يبعثه الله يوم القيامة مقاما محمودا. ولا علاقة لهذه النافلة بالشفع والوثر وخلافه ممّا ابتدعه الفقهاء، بل أمر تعالى رسوله الكريم بأداء نافلة فقط بعد العشاء. أما من أراد أداء أكثر من نافلة فلا شيء يمنعه من التقرّب إلى الله بالنوافل، لكن في الأوقات التي شرّعها تعالى، أي ليلا لما يوفّره الليل من هدوء وسكينة وخلو بال وراحة نفس.

يقول تعالى:

- (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا * وسبّحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب: 41 – 42.

وبعد أن كان تعالى يوجّه أوامره لرسوله الكريم، ها هو في هذه الآية الكريمة يتوجّه بالخطاب مباشرة لعباده المؤمنين ليأمرهم بنفس ما أمر به رسوله الكريم في الآيات المذكورة أعلاه، فيحثهم على ذكر الله في نفس الأوقات التي حددها من قبل: أي بكرة وأصيلا، ولا يكون الذكر إلا من خلال قراءة القرآن بدليل قوله تعالى (وأقم الصلاة لذكري) طه: 14، أمّا التسبيح فيعني التعظيم والتحميد والشكر وما إلى ذلك من تبجيل وتقديس من خلال ذكر بعض من أسماء الله الحسنى وصفاته العليا قدر المستطاع.

يقول تعالى:

- (فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار) غافر: 55

وهنا أيضا يتم التركيز على العبادة من خلال الصلاة الحركية التي هي علاقة عمودية بين العبد وربّه في نفس الأوقات أي العشي والإبكار. 

ونأتي الآن إلى الربط الذي لم يدركه فقهاء القشور من كلام الله والمتعلّق بالصلاة، بسبب انشغالهم بالنقل ميّت عن ميّت بدل إعمال العقل في كلام الله الحي الذي لا يموت، الأمر الذي جعل الخطأ في التفسير يمتد لأجيال المسلمين جيلا بعد جيل دون أن ينتبه فقيه ورع لهذا الإشكال العويص، وكون الأمة تصلّي اليوم وفق ما شرّعه لها الفقهاء فلا يعني ذلك أنها على هدى من الأمر.

أما لماذا اختار تعالى أن يتقرّب إليه عباده بالصلاة العمودية ليلا لا نهارا، فدليل ذلك نجده في ما يلي:

يقول تعالى:

- (إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا * إن لك في النهار سبحا طويلا) المزمّل: 6 – 7. 

يخبر الحق سبحانه وتعالى رسوله الأمين من خلال الآية 6 من سورة المزمّل والتي هي من أولى السور المكية من حيث النزول (الثالثة وفق بعد الروايات)، ما يؤكد أن الصلاة الشعائرية لم يفرضها تعالى في ليلة القدر كما روّج لذلك الفقهاء، أي سنتين بعد الهجرة إلى المدينة (أي بعد مضي 15 سنة على الدعوة ونزول القرآن)، بل فرضها منذ بداية نزول الوحي في مكّة، وهي نفس الصلاة التي كانت تقام من قبل الرسل والأنبياء والأمم السابقة كما سبق توضيح ذلك من القرآن الكريم في الأجزاء التسعة السابقة من هذا المبحث.. واختيار الله تعالى في الآية 6 من سورة المزمّل الليل ليكون وقتا للصلاة بدل النهار، فلأنه (أي الليل) أكثر ثباتا وهدوء، وفيه تكون العبادة أكثر صفاء والنفس أكثر خشوعا، فهو الوقت الذي تنتهي فيه مشاغل الإنسان وسعيه لضمان معيشته فيركن لنفسه ويكون باله فارغا متفرّغالا للعبادة بخشوع. والمقصود هنا أوقات العبادة التي سبق تبيانها، أي طرفي النهار: الفجر والمغرب تليها العشاء كما سبق القول ثم النافلة بعد العشاء، وهذه كلها صلوات تتم في الليل الذي هو نقيض النهار.

وما يؤكد ما ذهبنا إليه، أن الله تعالى يقول لرسوله الكريم بصريح العبارة في الآية 7 من نفس السورة أي المزمّل، (إن لك في النهار سبحا طويلا).. ومعنى ذلك بالعربي الفصيح، أن النهار جعله تعالى مُخصّصا لمهمّات العيش والسعي من وراء الكسب الحلال. و"السبح الطويل" الوارد في الآية المذكورة هو غير التسبيح، ذلك أن التسبيح هو ذكر لله بالحمد والشكر، أما السّبح فمعناه لغة واصطلاحا المشي السريع في الماء، والسبح الطويل في النهار كما ورد في الآية هو كناية عن السباحة والغور في بحار السعي الدنيوي للكسب بالأيادي والأرجل، لأنه بسبب هذه الضرورات المعيشية الملحّة للإنسان، والمسؤوليات الحياتية الكثيرة الملقاة على عاتقه، لا يستطيع التفرّغ لربه والخشوع في عبادته نهارا، هذا مستحيل، وهذا هو السبب الذي خصّ تعالى الليل للصلاة لأنه الوقت الذي يفرغ فيه الإنسان من عمله، وجعل له النهار مخصصا للسعي من أجل كسب معيشته وتنمية إمكاناته وعمار الأرض. وهذا هو معنى أن الله لم يجعل لنا في الدين من حرج. 

ودليل ذلك أيضا نجد واضحا جليّا في الآيتين 7 و8 من سورة الشرح، حيث يقول تعالى: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب)، أي إذا فرغت يا محمد من سعيك في أمور دنياك ومعاشك فانتصب راغبا إلى ربّك بالعبادة والذكر والتسبيح، وهو ما يكمّل المعنى الوارد في الآيتين السالفتين: 6 و7 من سورة المزمّل باعتبار أن القرآن يفسّر بعضه بعضا فتتضح المعنى. 

وبالتالي، فما يريد قوله تعالى هو أن لك أيها المؤمن في النهار مشاغل كثيرة تهتم بها ولا تدع لك فراغا يسمح لك بالتوجه التام إلى ربك والانقطاع إليه بذكره والخشوع في صلاتك ببال خال مرتاح، لذلك لم يجعل لك تعالى في دينك من حرج، فعليك بالصلاة في الليل وتخصيص النهار للكسب.

والسؤال الذي يفرض نفسه بالمناسبة هو: - كيف يمكن لله سبحانه وتعالى عمّا يصف الجاهلون علوّا كبيرا، أن يناقض نفسه بحيث يُخصّص الليل للعبادة والنهار للسعي والعمل كما أكد ذلك في الآيتين 6 و7 من سورة المزمّل، والأيتين 7 و8 من سورة الشرح، وفي نفس الوقت يفرض على عباده صلاة الظهر وصلاة العصر في حين أن هاتين الصلاتين لا وجود لهما في القرآن الكريم بل هما مجرد اختلاق من وحي شياطين الإنس خدّام الإقطاع.

ذلك أن الحقيقة التاريخية تقول، أن الفقهاء ولأسباب سياسية زمن بنو أميّة أرادوا أن يشغلوا الناس بالصلاة في المساجد في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء، وهي الوسيلة الوحيدة التي كان الحكام من خلالها يعرفون من يُؤيدهم فيأتي للصلاة في المسجد، ومن لم يكن يأتي إلى صلاة الجماعة في المسجد كان يُعتبر من المعارضين فيتم اعتقاله ومعاقبته.

وبسبب هذا الوضع الذي خلقه الفقهاء استنادا إلى مرويات منسوبة زورا وبهتانا لرسول الله، تحوّل المسلم إلى كائن غير منتج، فيما العكس هو الذي كان يفترض أن يكون، لأنه الذي يقضي الليل في النوم والنهار في الصلاة بالمسجد لا يمكن أن يكون مُنتجا، هذا علما أن الله خص له الليل للعبادة والنهار للعمل والعطاء ليزدهر ويتقدم فيتحوّل إلى مؤمن قوي وغنيّ بدل أن يتحوّل إلى مسلم ضعيف وفقير لا ينتج سوى الجهل والتفاهة ويستجدي حاجاته من الأمم المتقدمة، ويطلب التغيير بالدعاء دون العمل.

وهذا معناه أن المسلمين لم يفهموا لا الدين ولا الدنيا للأسف، بسبب سيطرة الفقهاء على عقولهم وتنصيب أنفسهم حراسا للعقيدة، وتخويفهم لتارك الصلاة بعذاب القبر وعذاب النار، بل وذهب بهم الشرك مع الله حد الحكم على تارك الصلاة بالقتل في الدنيا قبل الحرق في الآخرة.

فأي دين هذا الذي يشرّع فيه الفقهاء للناس مناسكهم بدل الله؟

يتبـــع...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق