بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 13 نوفمبر 2022

الزمن بين المفهوم القرآني والمفهوم العلمي؟.. (3/1)

 

(وما أمر الساعة إلاّ كلمح البصر أو هو أقرب

- النحل: 77 -

لقد سبق وأن فصّلنا القول في معنى الزمن بالمفهوم الكوني النسبي والمفهوم القدساني المطلق في مبحث سابق من جزئين. وسنحاول في هذا المبحث الجديد معرفة حقيقة الزمن بين المفهوم القرآني والمفهوم العلمي، لما يبدو عليه الأمر من تناقض بين بعض الآيات من حيث الظاهر، نظرا لما تمثله من صعوبة في الفهم بالنسبة للمسلم العادي الذي يأخذ بظاهر النص بدل الغوص في باطنه للبحث عن الدلالة المنطقية الكامنة فيه.../...

اليوم بمفهوم الزمن الأرضي:

يقول تعالى بشأن حال الناس في الدنيا: (وتلك الأيام نداولها بين الناس) آل عمران: 140. والحديث هنا يفيد نفي الخلود بمفهوم الأبدية أو اليوم بمفهوم المدى اللامتناهي الذي كان يسعى إليه آدم للخلود في الحياة الدنيا من خلال أكله لفاكهة شجرة المعرفة بغواية من الشيطان، لأن الجنة التي طُرد منها أب البشر الأخلاقي (Homo Sapiens) الذي اصطفاه الله من بين فصيلة البشر البدائي(Neandertal) ، لم تكن في السماء كما روّج لذلك عديد الفقهاء استنادا لفهمهم السطحي لمعنى قوله تعالى: (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين) البقرة: 36، بل في الأرض، لأن الهبوط هنا لا يعني الهبوط من السماء بل من مكان مرتفع في الأرض لقوله تعالى في الآية 61 من سورة البقرة في شأن بني إسرائيل: (أهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم). وكونها جنة الدنيا لما شملته من حدائق وبساتين غنّاء لا تشبه بحال من الأحوال جنّة المأوى التي ذكر تعالى بعضا من أنعمها في كتابه المجيد، ناهيك عن أنه تعالى قد أكد في التنزيل الحكيم أن النار والجنة لم يحضّرا بعد لاستقبال الوافدين لقوله: (وإذا الجحيم سعّرت * وإذا الجنة أزلفت) التكوير: 12 – 13، نظرا لكون "إذا" المستعملة في الآيتين تعتبر أداة توكيد لشيء سيقع مستقبلا بشكل حتميّ، بخلاف أداة "إن" التي تفيد احتمال الوقوع من عدمه. ما يفيد أن اشتعال النار في الجحيم وتجهيز الجنة لاستقبال النفوس كل حسب المصير المستحق ستتمّان يوم الحشر وليس قبل ذلك، ولا وجود للجنة والنار التي تتحدث عنها بعض الآيات إلا كرؤى من ألوان العذاب تعرض في البزخ على من يستحق سوء المصير كآل فرعون مثالا. 

وبهذا المعنى، فآدم الأخلاقي الذي اصطفاه الله من بين البشر عاش في جنة الدنيا لأنه أصلا خلق من ترابها لقوله تعالى: (والله أنبتكم من الأرض نباتا)  نوح : 17، بدليل أن كل ما في الأرض من مُكوّنات كيميائية موجودة في جسد الإنسان، وهناك مقولة للرسول عليه السلام تؤكد صحّة نظرية التطوّر والرقي كما أكّدته البحوث الأركيولوجية، ومفادها: أنه "قبل آدم كان هناك ألف ألف آدم"، ولم يقل داروين بأن أصل الإنسان من سلالة القرود بل قال بها من لم يقرؤوا كتابه من الإسلامويين المتحاملين على نظرية التطور، هذا فيما العلم يؤكد أن هناك فراغ في الطفرة الجينية التي يمكن أن تربط الإنسان بسلالة القردة، ما يجعل الإنسان كائنا متفردا خلقه الله وكرّمه على بقيّة المخلوقات بما في ذلك الملائكة. 

وبسبب انتفاء الخلود في الحياة الدنيا، جعل الله للناس أيّاما مُحدّدة لخوض تجربتهم الأرضية تقاس بالأعمار بالنسبة للنفوس لقوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مُؤجّلا) آل عمران: 145. وتُقدّر بالعصور بالنسبة للأمم، لقوله تعالى: (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) الأعراف: 34. وقد تكون أمة صالحة وأخرى غير ذلك، وقد تكون نفس الأمة فيها الصالح وفيها الطالح، لقوله تعالى: (وقطّعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسّيّئات لعلّهم يرجعون) الأعراف: 168. وأصل هذا التقطيع الذي يتحدث عنه القرآن يعود لكون الناس كانوا في البداية أمة واحدة فاختلفوا، ما تسبب في تقطيعهم إلى أمم، لقوله تعالى: (وما كان الناس إلا أمّة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربّك لقضي بينهم فيما هم فيه يختلفون) يونس:19. 

أما قوله تعالى بالنسبة للإنسان: (ثمّ قضى أجلا وأجل مسمّى عنده) الأنعام: 2. فالحديث هنا عن أجل مسمّى وآخر غير مسمّى: فالأجل غير المسمى هو الأجل الموقوف يُقدّم منه تعالى ما يشاء ويُؤخّر منه ما يشاء، لقوله تعالى: (وما يعمّر من معمّر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) فاطر: 11. وتكشف هذه الآية الكريمة أن لكل إنسان أجل مسمىّ لا ينقص ولا يزيد وهو الأجل المحتوم، أما الأجل المقدر فيتغيّر بتغيّر الظروف والشروط، كأن يمرض الإنسان ويعالج فيعمّر أكثر من الأجل المقذّر له، أي الأجل غير المُسمّى، والعكس صحيح، ومثال ذلك الطفل إذا لم يُلقّح في صغره ضد الأمراض الفتاكة فسيموت حكما قبل الأجل المُسمّى. 

من هنا يتبيّن بوضوح الفرق بين القضاء والقدر، فالقضاء المتعلّق بالموت مثلا، هو قانون تابث ناتج من حكم مُبرم لأنه بأمر "كن"، ومن كان بأمر "كن" يكون حدوثه واقع قادم بشكل حاسم لا رد له، في حين أن القدر المتعلّق بالأجل، فهو تقدير يخضع للمشيئة الإلهية التي قد تتغيّر إذا أخذ الإنسان بالأسباب ما دام تعالى قد خلق لكل داء دواء وجعل لكل مقدمة نتيجة وفق مبدأ السببية التي تحكم الأحداث الصغرى والحادثات الكبرى في الحياة الدنيا. 

(الشمس والقمر بحسبان

- الرحمن: 5 -

أما اليوم في عرف البشر فهو مقدار الوقت المُعتدّ به من الزمان المرتبط بحركة المكان، أي حركة الأرض ودورانها حول نفسها باعتبار أن سرعة الحركة باختلاف مداياتها هي البعد الرابع المُكمّل لنظرية الأبعاد الثلاثة الكلاسيكية (الطول - العرض – الارتفاع) التي قال به العالم ألفريد أينشتاين، ذلك أن سرعة الحركة هي التي تتولّد منها ظاهرة الشروق والغروب، بحيث يتعاقب الليل والنهار ليُكوّنان وحدة تسمّى "اليوم" من جهة، وسرعة دوران الأرض حول الشمس التي يتولّد منها الشهور والفصول والأعوام من جهة ثانية. ومعلوم أن اختلاف سرعة حركة الأرض والكواكب المختلفة استنادا إلى حجمها من جهة، وقوة الجاذبية المحيطة بها من جهة ثانية، هي التي استند عليها العالم آينشتاين في وضع نظريته الشهيرة المسماة بـ "نظرية النسبية العامة". لكنه لم ينجح في تحقيق حلم حياته بالجمع بين نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، أي بين نظرية النسبية التي تعنى بدراسة ووصف الظواهر العيانية الكبيرة كالنجوم والكواكب والمجرات، وبين ميكانيكا الكم التي تهتم بدراسة ووصف الأشياء الدقيقة مثل الجزيئات والإلكترونات. والحقيقة أن أينشتاين لم يذكر مصدر الإلهام الذي حثّه على البحث عن تحقيق حلمه هذا بالجمع بين النظريتين وهو ما أصبح يعرف بـ "نظرية كل شيء"، هذا علما أن منشأ هذه النظرية صوفي بامتياز، وقد سبق لمحيي الدين ابن عربي أن أشار إلى ذلك في إحدى مقولاته المثيرة بما مفاده: "إن القوانين التي تحكم حركة الكواكب والأجرام الكبيرة هي ذاتها التي تحكم حركة الجزيئات الصغيرة"، بما يعني أنه لا يمكن توصيف أي حدث في الكون بدون إضافة بعد رابع" الذي هو السرعة. لكن إذا كان ذلك يمكن الدلالة عليه افتراضيا إلا أن أحدا حتى الآن لم يستطع إثبات صحته واقعيا من خلال الجمع بين نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم، والسؤال هو: هل كان ذلك حلم ابن عربي أم حلم أينشتان؟..

 وبالمناسبة فمن المعلوم أن البعد الرابع الذي نتحدث عنه هنا أي (سرعة الحركة) هو المُولّد لظاهرة الزمن في الكون والذي أصبح يعرف بـ "الزمكان" لارتباط الزمن بالمكان حيث لا وجود للزمان بدون مكان والعكس صحيح ايضا، وهو البعد الذي يقاس بالساعات والأيام والسنوات بالنسبة للأرض وبملاين ومليارات السنوات الضوئية بالنسبة للكواكب والنجوم والأجرام.

وطبيعي والحال هذه أن يختلف اليوم بالمفهوم القرآني عن اليوم الأرضي والكوني جملة وتفصيلا، ذلك أن اليوم بالمفهوم القرآني يخضع لبعد سرعة الحركة مهما بلغت مداياتها، بل ويرتبط حصريّا بالحادثة الفيزيائية بغض النظر عن مدّتها، أي بالنسبيّة الخاصة بالحادثة الفيزيائية دون سواها. بمعنى أن اليوم بالمفهوم القرآني يختلف من حيث المُدّة الزمنية بالقياس الأرضي أو الكوني باختلاف طبيعة الحادثات نفسها لجهة قياس بداياتها ونهاياتها، لذلك نجد القرآن يهتم بالوقائع أساسا فيما يتجاهل تماما التسلسل الكرونولوجي الذي يُؤرّخ لأزمنة حدوثها، لأن القرآن لا يعني بالتاريخ بقدر ما يهتم بالحكمة التي يمكن استخلاصها من الحادثات بمنطق فلسفة التاريخ، أي سنن الله في الخلق ما دام تعالى هو من يصنع التاريخ ويتحكم في جريانه وفق مشيئته، وبذلك يكون الزمن الدنيوي بالمفهوم القرآني مجرد وهم وسراب. 

وبمعنى أدقّ، فإن اليوم بالمفهوم القرآني يعتبر دار الدنيا من مبتداها إلى منتهاها مجرد يوم أو أقل من ذلك بشهادة من سيبعثهم الله من الأجداث يوم القيامة لقوله تعالى: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين * قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العاديّين) المؤمنون: 111 – 112. 

وكذلك الآخرة هي أيضا يوم سمّاها تعالى بيوم القيامة، ويوم الدين، ويوم الحساب. وبالتالي، فاليوم بالمفهوم القرآني يرمز إلى الزمن الفزيائي الذي تجري فيه الحادثة، ومداه يقاس بعمر الحادثة نفسها أو الحادثات المرتبطة حكما ببعضها كحادثات يوم القيامة مثلا. ولن تجد في القرآن الكريم حدث دام أكثر من يوم بالمفهوم القدساني المطلق، بل يكون الحديث دائما عن يوم أو أقل من يوم كما هو حال الحياة الدنيا مثلا. ذلك أنه إذا كان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله تعالى لعباده كافة، فدوام إقامته سيكون طيلة يوم الامتحان الدنيوي إلى أن تقوم الساعة، وكذلك يوم القيامة سيكون دوامه طيلة يوم الحساب الأخروي. وبالتالي، إذا أخذ المؤمن بالاعتبار هذا البعد الفيزيائي في قياس الزمن، فسيرى الأمور بنظرة شمولية أوسع وموضوعية أدقّ، وسيتحرّر من اللّحظة اللاهوتيّة الضّيّقة التي سجنه فيها فقهاء الرسّوم ليعيش حرّا سعيدا في كنف الله يسبح في فضاء النور والمعرفة الحقيقية بلا قيود ولا حدود.

ولتوضيح معنى اليوم الفيزيائي بالمفهوم القرآني، هناك عديد الآيات التي تتحدث عن نفس الحدث وتبدُو متعارضة من حيث المنطوق لكنها تحمل معنى صحيحا من حيث المدلول، ولدينا عدة أمثلة تثبت ذلك منها:

المثال الأول: قوم عاد

- في الآية الأولى: (وأما عاد فأّهلكوا بريح صرصر عاتية * سخّرها عليهم في سبع ليال وثمانية أيام حسوما) الحاقة: 6 – 7.

- وفي الآية الثانية: (إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر) القمر: 19.

فالآية الأولى تتحدث عن ريح صرصر عاتية بعثها الله على قوم عاد في سبع ليال وثمانية أيام، وذلك بحساب الزمن الأرضي الذي يعدّ به الناس الأيام والشهور والسنين. أما في الآية الثانية، فيتحدث الله عن نفس الحدث، أي ريح صرصر بعثها الله على قوم عاد، لكن في يوم واحد. وهنا مفتاح المعنى، فاليوم "المستمر" كما وصفه تعالى، هو اليوم الفيزيائي الذي يقاس به الحدث من بدايته إلى نهايته حيث سمّاه الله في حالة عاد بـ "يوم نحس" وهو اليوم الذي استمر دون انقطاع لمدة سبع ليلي وثمانية أيام بحساب الزمن الأرضي، لدرجة أنه اقتلع جذورهم وحسم وجودهم، وهذا هو معنى "حسوما" أي من الحسم، وبالتالي، فلا تعارض بين الآيتين.

المثال الثاني: تشكل الكون 

الكون بين نظرية  "الانفجار العظيم"

 وفرضية "الارتداد الكبير"

نظرية "الانفجار العظيم"

قبل ظهور نظرية الانفجار العظيم سادت على مرّ العصور والدهور اعتقادات غير صحيحة حول ماهية الكون وتكوينه وحدوده، فقيل: "إن الكون موجود منذ الأزل، وسيبقى إلى الأبد، وأنه كون لا نهائي، لا تحدّه حدود، وأنه ساكن وثابت في مكانه لا يتغيّر..." إلى أن جاءت نظرية الانفجار العظيم عام 1973 بعد أن حصل أصحابها على جائزة نوبل في علم الفضاء لتغير كل المفاهيم التي كانت لدينا حول نشأة الكون.

يقول علماء الكوسموس وفق ما أورده موقع مجلة "لايف ساينس"، أن الكون تشكّل منذ 13.7 مليار سنة، ويعتقد معظمهم أنه ولد نتيجة الانفجار العظيم لما مثلته هذه النظرية من قبول واسع في الأوساط العلمية بسبب قدرتها على تفسير الظواهر الكونية العالقة التي حيّرت العلماء.

وقد استطاع العلماء من خلال استخدام ملاحظات المنظار ونماذج فيزياء الجزيئات من تجميع جدول زمني تقريبي للأحداث الرئيسية التي تشكل حياة الكون منذ ولادته وإلى اليوم.

مراحل تشكل الكون

وأهمية الانفجار العظيم وفق العالم الأمريكي شين كارول من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تكمن في أنه "لحظة من الزمن وليس نقطة في الفضاء" كما كان يعتقد، بمعنى أن كل شيء بدأ عند الانفجار العظيم لأول مرّة، وهي اللحظة التي بدأ فيها الوقت، أي اللحظة "H" التي تم حساب جميع اللحظات اللاحقة منها، وقد صنفتها مجلة "لايف ساينس" حسب المراحل التالية:

1. مرحلة الزمن الأولى: هي اللحظة التي بدأ فيها الوقت فجأة ومعه توسع الفضاء في جميع الاتجاهات.

2. مرحلة التضخم الكوني: نتج عن توسع الكون فصل وتمزق أجزائه التي كانت على اتصال وثيق سابقا الأمر الذي يفسر سبب تشابه المناطق النائية في الفضاء مع بعضها البعض برغم المسافات الهائلة التي تفصلها.

3. المرحلة المبكرة: وهي التي بدأ فيها الكون يفقد حرارته الفائقة بحكم البرودة الناتجة عن سرعة التوسع والانتشار.

4. مرحلة ظهور الذرات الأولى: وهي مرحلة اندماج البروتونات والنيترونات معا مكوّنة بذلك نظيرا للهيدروجين يسمى الديوتيريوم، بالإضافة إلى الهيليوم والليثيوم. ثم تحوّلت في مرحلة متقدمة من عمر الكون إلى أوكسيجين وهيدروجين المشار إليهم في القرآن الكريم بـ (الشفع والوثر) الفجر: 3. أي الشفع الذي هو الأوكسيجين ثنائي الذرة والوثر الذي هو الهيدروجين أحادي الذرة، ومنهما توّلد الماء (H2O) لذلك قال تعالى: (وكان عرشه على الماء) هود: 7. والعرش هنا جاء بمعنى الأمر لقوله تعالى: (أو لم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حيّ) الأنبياء: 30. وقوله: (إن ربكم الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش) الأعراف: 54، أي أن حكمه وأمره كان على الماء الذي خلق منه كل شيء حيّ. لاحظ الارتباط القائم بين مراحل هذه الأحداث الكونية العظيمة وخلق السماوات والأرض.

5. المرحلة المظلمة: لفترة طويلة وبسبب كثافة الغبار لم ينبعث الضوء، ويستحيل على العلماء معرفة ما حدث في هذه المرحلة ما دامت معرفتهم بالكون تأتي أساسا من ضوء النجوم، وهي المرحلة المشار إليه في القرآن بـ (ليال عشر) الفجر: 2. أي أنه خلال المرحلة المظلمة عرف الكون عشر أحداث فيزيائية ضخمة يُجهل كنهها وطبيعتها.

6. ولادة النجوم: بفعل اتحاد الهيدروجين والهيليوم بدأت تتولّد درجات حرارة جهنّمية أضاءت النجوم الأولى، فدخل الكون في مرحلة "الفجر الكوني". وهو ما أشار إليه القرآن بـ (الفجر) الفجر: 1.

7. مرحلة تشكل الكون الواسع: في هذه المرحلة بدأت المجرات الصغيرة في الاندماج مولّدة بذلك مجرّات أكبر تشكّلت بعدها الثقوب السوداء في مراكزها.

8. منتصف عمر الكون: في هذه المرحلة من التطور تكوّنت ببطء المجموعات المجرية والخيوط الطويلة من الغاز والغبار منتجة شبكة كونية خيطية ملوّنة يمكن رؤيتها اليوم.

9. مرحلة ولادة النظام الشمسي: وهي المرحلة التي تشكل فيها ما أصبح يعرف بالنظام الشمسي، حيث احتفظت الأرض ببعض الماء فيما بعد الطوفان من الجليد والماء.

10. مرحلة الإنسان والأرض: ظهور ميكروبات صغيرة وخلايا بسيطة التركيب في الوسط المائي تطورت عبر مراحل طويلة، ومن ثم ظهرت الوحوش العملاقة والدينوصورات الضخمة في البحر والبر. ثم ظهر البشر البدائي (Neandertal) قبل حوالي 200 ألف عام، تلاه بعد ذلك الإنسان العاقل منذ أكثر قليلا من 10 ألف سنة أو ما يعرف بعصر ما بعد الجنة مع ظهور آدم الانسان العاقل والأخلاقي.

11. مرحلة نهاية الكون: يتداول العلماء ثلاثة نظريات لنهاية الكون:

- النظرية الأولى: أن يستمر الكون في التوسع إلى غاية أن ينفذ وقود النجوم في جميع المجرات من الطاقة، وتتبخّر الثقوب السوداء، فيتحوّل الكون إلى كتلة ميّتة. غير أن العلماء أكدوا خطأ هذه الفرضية بعد أن اكتشفوا أن انخفاض الحرارة لن يكون هو السبب في اندثار الكون. 

- النظرية الثانية: أن تتغلّب الجاذبيّة في النهاية على القوة التوسّعيّة للطاقة المظلمة وتجذب كل المادّة نحوها الأمر الذي سيولّد انفجارا عظيما عكسيّا سينتج عنه ما يسمّى بـ "الانسحاق الشديد". هذه الفرضية هي الأكثر ترجيحا اليوم وهناك عديد الآيات القرآنية التي تؤكدها. 

- النظرية الثالثة: أن تؤدي الطاقة المظلمة إلى ما يعرف باسم التمزّق الكبير، حيث يمزّق الكون نفسه. لا دليل علمي حتى اليوم على صحة هذه الفرضية.

فرضية "الارتداد الكبير"

بخلاف نظرية الانفجار الكبير التي تقول بأن الكون قد ولد من العدم انطلاقا من نقطة في الفضاء ذات كثافة طاقية هائلة ولا نهائية، تقترح فرضية الارتداد الكبير التي قال بها بعض علاء الفلك منذ أزيد من 100 عام مضت، أن الكون يعيش حالة متكرّرّة من الارتداد الكبير (الانسحاق العظيم) بحيث أنه يتمدد ثم ينكمش ثم يتمدد وهكذا بشكل دائم ومستمر، وأن الانفجار العظيم ما هو سوى لحظة تجدد تمدد الكون بعد انكماش سابق.  وهذا يعني وفق علماء الكوسموس، أن الكون يعمل بشكل مشابه لبالون، حيث يتمدد اعتبارا من نقطة واحدة، يكبر ويكبر حتى يصل لحجم ومسافة معيّنة ومن ثم ينقبض عائدا للنقطة الأصلية التي انطلق منها، ثم تعاد العملية مرّة ثانية.

لكن العقبة الكبرى التي تقف في وجه إثبات هذه النظرية من الناحية العلمية، تكمن في كيفيّة انتقال الكون من الانكماش إلى التمدّد عندما يكون منقبضا بشكل كامل، وذلك بسبب اعتقاد العلماء أن الانكماش يحدث نتيجة تقلص الطاقة وتناقص قوتها مع الزمن، وهو أمر غير صحيح وفق آخر مستجدات علم الكوسموس بسبب وجود الثقوب السوداء التي تمارس جاذبية عظيمة تعيد الكواكب والنجوم والأجرام إلى حالتها المضغوطة الأولى، لأن الانكماش العظيم لا يتولّد من انخفاض الحرارة بل يتطلّب حالة من الكثافة ودرجة حرارة عالية للغاية. وحسب علماء الفيزياء فإنه يمكن استخدام نظرية "ميكانيكا الكم" لوصف اللحظات الأولى للانفجار الكبير واستخدام فرضيات أصغر لنفس النظرية حول المادة الموجودة في الكون لوصف عمليّة الانكماش، وهو ما سيؤدي لخلاصة مفادها أن "الانفجار الكبير لم يكن سوى ارتدادا كبيرا حيث انعكس الانكماش إلى تمدد". وفي حال نجاح العلماء في تحقيق حلم أينشتاين باستخدام نظرية النسبية العامة ونظرية ميكانيكا الكم معا لتفسير هذه الظاهرة، فسيصلون إلى نتيجة جدّ محتملة مُؤدّاها أن "الكون كان ولا يزال ويستمر في تمدد وانكماش إلى الأبد، ما يعني أنه ليس له بداية ولا نهاية". وهذا يعيدنا مرة أخرى إلى نظرية "كل شيء" الصوفيّة المنشأ والتي تُفسّر كل ما في الوجود بمعادلة واحدة بسيطة تقول: "إن الوجود كلّه من عرشه إلى فرشه هو الله ولا شيء سواه". 

يتبــــــع...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق