بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 مارس 2023

لمـــاذا نصـــوم؟


(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

- البقرة: 183 -

كلما تعلّق الأمر بفريضة من فرائض الدين التي شرّعها الله تعالى لعباده إلا واستغلّها فقهاء القشور قديما وحديثا ليبرّروا للنّاس أن الفضل في معرفة الغاية من تشريعها لا يدرك إلا باتباع السّنة، وذلك دون العودة إلى كتاب الله العلي القدير الذي شرّع للناس فروض ومناسك دينهم وبيّن لهم الهدف منها والذي لا يدرك إلا بتدبّر القرآن الكريم ما دام المشرّع هو الله الذي لا يشرك في حكمه أحدا.../...

إن فهمنا للدين، للأسف، طغى عليه الموروث الذي روّج لمعاني شكلية على حساب الجوهر، فطاله الكثير من التحريف والتبديل والتغيير، غير أن سنة الله في الخلق فضحت زيف هذا الموروث وانحرافه على ما أراده الله تعالى لعباده من صلاح يؤدّي إلى نجاتهم يوم القيامة. فمثلا بالنسبة للصوم، وضع الفقهاء 57 حالة تؤدّي إلى إفطار الصائم في رمضان، وهذا يعني أنه بدل التركيز على الغاية من تشريع الصوم، فضّل فقهاء السنّة والجماعة تضليل الناس من خلال إغراقهم بالتفاصيل المملّة التي لم ينزل الله بها من سلطان، الأمر الذي جعل المسلمين يقضون حياتهم في استشارة الفقهاء في كل كبيرة وصغيرة بدل الرجوع إلا كتاب الله لفهم المغزى الحقيقي من تشريعه لمثل هذه الفروض في العبادات، الأمر الذي حوّل الدين إلى كهنوت.

لذلك، نحن بحاجة اليوم إلى فهم جديد للدين، ولا أقول فقه جديد، لأن آيات التشريع لم يخصص لها تعالى في القرآن الكريم إلا أقل قليلا من 5 في المائة من الآيات فقط، فيما فتح لنا آفاق التدبر في علوم الكون والحياة والموت والبعث في مساحة قدرها أكثر قليلا من 95 في المائة من الآيات، وهي الآيات التي أغفلها فقهاء الجهل والضلال حيث جعلوا من الشريعة مبلغ علمهم ومنتهى فهمهم والمجال الوحيد المتاح للناس السؤال فيه. من هنا ضرورة إعادة فهم الدين من القرآن الكريم دون غيره من المرجعيات، بشكل يُمكّننا بما قد نصل إليه من نتائج من دخول عقول وقلوب الناس بلا استئذان.

هذه هي الخلاصة التي خرجت بها من قراءتي لعديد الكتابات والفتاوى المتعلق بصوم رمضان، وهي عبارة عن طلاسم تخلط بين الصيام والصلاة وغيرهما من الفروض والمناسك بالإضافة لمجموعة من التفاصيل التي هدفها تعسير الدين لا تيسيره، لدرجة لا يفهمها إلا من يُسمّون أنفسهم "دوي الاختصاص" من "علماء الدين" الذين ليس لهم من العلم في حقيقة الأمر إلاّ التسميّة. وبالتالي، فبمثل هذه الأدبيات سيكتشف غير المسلم أن فقهاء السنة لا يجيبون غير المسلم الذي يرغب في الاطلاع على حقيقة هذا الدين عن الحكمة من تشريع الصيام، وهو ما يسأل عنه الكثير من الناس في الغرب فلا يجد المسلم لهه جوابا مختصرا كافيا وشافيا ومقنعا يقبله العقل ويرتاح له القلب، فيضطرّ للتدليل على ما يرغب في إيصاله لغيره بمقولات التراث التي أكل الدهر عليها وشرب ولم تعد صالحة لهذا الزمان بسبب ما تميّز به من انتشار لشبكة المواصلات وانفجار للمعلومات وتراكم للمعارف على كل المستويات وفي مختلف المجالات.

وبالنسبة للصوم، فإنك إذا سألت يهوديّا متديّنا أو مسيحيّا ملتزما عن الأمر؟ فسيقولون لك "لنشكر الله على نعمة الكتاب" (أي التوراة والإنجيل أو ما يُسمى بالعهد القديم والعهد الجديد)، ومنهم من يضيف: (ولنعبّر للرّبّ عن طاعتنا وخضوعنا)، هذا جواب مختصر مفيد. وإن كان بعض عامة اليهود يعتقدون أن الغاية من الصوم هي شكر الله لأنه نجّى موسى عليه السلام ومن معه وأغرق فرعون الذي كان يسوم شعب إسرائيل سوء العذاب فيذبح أبناءهم ويستبيح نساءهم وفي ذلك بلاء من الله عظيم كما أخبرنا تعالى في الآية 49 من سورة البقرة.

وبالنسمة للصيان فالقرآن لا يحيد عمّا ورد في التوراة والإنجيل لأن الله سبحانه وكما يقول في قرآنه لرسوله الكريم (ما يقال لك إلا كما قيل للرسل من قبلك) فصلت: 43. وبالتالي، لم يأتي القرآن بتشريع جديد خاص بالمؤمنين برسالة محمد عليه السلام، اللهم ما له علاقة بمدة الصوم التي تختلف بين ما شرّعه تعالى لأهل الكتاب وما فرضه على أتباع الرسول الخاتم محمد عليه السلام.

والآن لنوضح الأمر من وجهة نظر القرآن الكريم لنفهم الحقيقة الكامنة وراء كل تشريع، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها معرفة إن كنا فعلا مسلمين وإن كنّا حقّا على هدى وصراط مستقيم؟ ولنفعل ذلك بالنسبة لكل الفرائض التي هي في حكم الوجوب:

وللوصول إلى نتيجة عمليّة مفيدة سنستعمل طريقة المناطقة لمعرفة العلاقة بين الدال والمدلول، أي بين المعنى والمصداق، أو بتعبير أكثر وضوحا: بين ما يقوله الله تعالى وما نحن عليه في حقيقة الأمر بشهادة الواقع:

فعلى بركة الله:

- لماذا نصلي؟.. يقول تعالى: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) العنكبوت: 45.

والسؤال هو: هل فعلا تحقق هذا الهدف في حياة المسلمين الذي يصلون؟ 

لقد عرّف تعالى الفحشاء بأنها ما قبح من الأفعال والأقوال، فمنع ذلك بقوله (إن الله لا يأمر بالفحشاء) الأعراف: 28، وقوله: (وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذّكرون) النحل: 90، (من يأت منكم بفاحشة مبيّنة) الأحزاب: 30، وقوله: (إن الذين يحبّون أن تشيع الفاحشة) النور: 19، وقوله: إنما حرّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن) الأعراف: 33، وغيرها كالفاحشة التي تتعلق بالزنا الواردة في سورة النساء الآية 15 والآية 19.

وبتحليل مفهوم الفاحشة في سورة النحل تحديدا، يفهم أن الله قصد بها أنواع كثيرة تندرج تحت هذا العنوان العام، منها: الزنا، الكفر، المعاصي باختلاف أنواعها ودرجاتها، وهي جميعها تُؤدّي حكما إلى البغي، أي إلى الظلم الذي حرّمه الله على نفسه وجعله محرّما بين عباده باعتباره تعدي على الحدود وعلى الحقوق معا، ومعلوم أن الظلم مؤذن بخراب العمران كما قال ابن خلدون، لأنه إذا شاع فقدت الثقة بين الناس، وانعدم الأمن، وغابت الطمأنينة، الأمر الذي يترتب عليه عواقب وخيمة في الدنيا والآخرة. وعلى هذا الأساس يُسأل الفقهاء إن كانت ثقافتهم قد حققت العدل والإنصاف ومكارم الأخلاق بين المسلمين في مجتمعاتهم أم العكس هو الذي حدث. وبالتالي، هل نفعت صلاتهم في تحقيق الغاية من تشريعها؟

- لماذا نزكي؟.. يقول تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) التوبة: 103.

يفهم من الآية الكريمة أن الغاية الحقيقية من الزكاة هي زكاة النفس وتطهيرها من الشوائب قبل زكاة المال، والزكاة هي غير الصدقة التي تكفي فقط لسد رمق المحتاج مؤقتا، لقول الفقهاء أن الرسول قال "اتّقوا النار ولو بشق ثمرة"، ذلك أن شق ثمرة لا تشبع فقيرا ولا يدخل أحدا الجنة، وحاشا أن يكون الرسول قد قال مثل هذا الكلام الذي لا معنى ولا فائدة منه. ذلك أن الزكاة كما شرّعها تعالى هي تلك التي يكون تطبيقها مُؤسّسا لمجتمع قوي ومتضامن كما هو الحال في مجتمعات الغرب المتقدم من خلال الضرائب. أما المجتمع المسلم الذي يلتزم بفرض الزكاة من خلال مؤسسات الدولة فيستحيل أن يوجد فيه فقر أو جهل أو مرض أو تخلف، لأن الزكاة كفيلة بالقضاء على كل هذه الأمراض، فيصبح المجتمع قويا، نظيفا، خالي من الشوائب التي تصيب المجتمع الذي يحكمه اللصوص والفاسدين من المجرمين الجشعين الذي جعلوا الدنيا آخر همّهم، ويعتقدون مع ذلك أنهم يحسنون صنعا.

قبل فترة، قدم يهودي مغربي من فلسطين المحتلة، وأعلن للصحافة الوطنية أن لديه الحل للقضاء على الفقر في المغرب بشكل نهائي، وعندما سألوه عن طبيعة هذا الحل قال لهم بصريح العبارة "من خلال فرض الدولة للزكاة"، فبفضلها لن يبقى فقير أو عاطلا في المغرب، وذلك من خلال استثمار أموال الزكاة في عديد المشاريع الاجتماعية والتنمويّة التي ستغيّر من قدر المغرب والمغاربة. 

هكذا إذن، ولعلّ ما قاله هذا اليهودي الذي أراد أن يعلّمنا ديننا ويبيّن لنا الغاية الحقيقية من تشريع الزكاة يفوق كل الخزعبلات التي روج لها فقهاء السنة والجماعة عن الزكاة، وكل المشاريع العبثية التي بشّرت بها حكومات الظلم والفساد منذ الاستقلال الصوري للبلاد وإلى يوم الناس هذا.. لأنه لم يخرج فقيها يحترم نفسه ليوجه نفس الخطاب للدولة وإلا انتهى به الأمر سجينا أو محروما من راتب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامويّة على ضآلته.

والسؤال هو: لماذا لم تلتزم الدول الإسلامية بفريضة الزكاة كما فعلت مع فريضة الصلاة المحرّفة، علما أن الله تعالى كلّما ذكر الصلاة في القرآن إلا وذكر معها الزكاة؟ والسبب أن الصلاة لها معنيين: صلاة عمودية تقام بين العبد وربّه، وصلاة أفقية تقام بين المؤمن ومجتمعه، وإقامة الصلاة تعني إقامة الدين من خلال الصلة مع الله من جهة، والصلة مع الناس من جهة ثانية، لأن لا معنى لعبادة الله دون أن ينعكس ذلك إيجابا من الناحية العملية على المجتمع.

- لماذا نحج؟.. يقول تعالى: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) الحج: 28.

كثير من المسلمين يعتقدون أن الغاية من الحج هي الاغتسال من الذنوب بحيث يعود الإنسان منه كما ولدته أمّه، وهذا مجرد وهم وهراء لا حقيقة له، لأن للمغفرة شروط لا يسع المجال لذكرها هنا. لقد بيّن الله تعالى أن الغاية من الحج تكمن في أن يشهد الناس منافع لهم في أيام معدودات يذكرون فيها الله تعالى على ما رزقهم من بهيمة الأنعام التي يقدمونها أضاحي يأكلون منها ويطعمون منها الفقراء، بالإضافة إلى التجارة. لأن المقصود بقوله تعالى: (ليشهدوا منافع لهم) وهي إقامة الأسواق وممارسة التجارة بعد الانتهاء من المناسك وذكر الله ما يصب في خانة منافع الدنيا أيضا. ذلك أن مكة كانت دائما مركزا للتجارة يتوافد عليها التجار من كل مكان، وبتشريع الحج، أراد تعالى تحويلها إلى مركز للعبادة وذكر الله والتجارة على المستوى الدولي لأنه تعهّد بان يضمن الأمن والرزق لسكّانها كما أوضح في سورة قريش لقوله تعالى: (الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) قريش: 4. وبذلك حوّل قرية منسيّة في صحراء الحجاز إلى حاضرة للتجارة الدولية اغتنى أهلها وفي نفس الوقت أمنوا من الاعتداء بحكم حماية الأمة الإسلامية لهم ما داموا قائمين على المقدسات.

 وبالتالي، فالغاية من الحج بالإضافة إلى مناسك ذكر الله هو أن يحصل الناس على مزايا تنفعهم في الدنيا والآخرة. وكونها تحوّلت إلى أكبر تجمع إسلامي في العالم، فذلك لم يؤدي للأسف إلى وحدة المسلمين وتضامنهم واعتصامهم بحبل الله جميعا وتكافلهم وتعاونهم ما يجعل منهم أمة قويّة وغنيّة يرهبها الأعداء، هذا بالرغم مما حباها الله تعالى من خيرات ومقدّرات تؤهلها لذلك، والسبب أن الأمة لم تعد مسلمة كما أمرها الله بعد أن تفرقت إلى مذاهب كما أراد لها الفقهاء ذلك.

والسؤال هو: أين أخطأنا إذن؟.. أخطأنا حين تحوّلت الحجاز إلى محمية لآل سعود بدل أن تكون منطقة حرّة كما كانت من قبل، تدار من قبل علماء أكفاء يوحّدون المسلمين على شريعة واحدة، وحكومة عالمية يقودها سياسيون نبهاء يديرون شؤون الإسلام والمسلمين على مستوى العالم للقضاء على الجهل والفقر وتحقيق الأمن والسلام.. ويا لها من إمكانية ربّانية لبناء قوة إسلامية عظيمة فقدناها بسبب حُكام عملاء للغرب وفقهاء أغبياء كرّسوا حياتهم خدمة للاستبداد.

- لماذا نصوم: يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: 183.

وكما سبق بالنسبة للفروض السابقة، ستجد الجواب على سؤال لماذا نصوم في سياق نفس الآية القرآنية الكريمة، لقوله تعالى: (لعلكم تتّقون) مثلكم مثل الذين فرض عليهم الصيام من قبلكم، أي أهل الكتاب.

فالصيام هنا كما بقية المناسك المخاطب بها هم "المؤمنون" لا "المسلمون" الذين لمّا يدخل الإيمان قلوبهم بعد بشهادة القرآن.

لكن لماذا الصوم في شهر رمضان تحديدا؟ 

الجواب نجده في الآية الكريمة التي تقول: (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) البقرة: 185. هذا هو السبب إذن.

وهنا نعود لنلتقي مع أهل الكتاب الذي يصومون شكرا لله على نعمة التوراة والإنجيل. وإذا كان هذا هو حالهم فما بالك بالمؤمنين الذين انعم الله عليهم بكتاب ضم صحف إبراهيم، ومزامير داوود، وتوراة موسى، وإنجيل عيسى، وقرآن محمد، لأن القرآن معناه "الجمع"، وفي لغة العرب القديمة كان يقال "قرئ الماء في الحوض" أي جمع الماء في مكان واحد، وهذا هو معنى القرآن، أي جمع كل الرسالات السابقة في إمام واحد هو المصحف الشريف.

وبالتالي فصوم شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هو لشكر الله تعالى على نعمة هذا الكتاب العظيم الذي فرّطنا فيه واتّبعنا شريعة الفقهاء بدل شريعة السماء، وشكر الله يعني تخصيص هذا الشهر الفضيل لتدارس القرآن وتدبّره لفهمه والعمل بما جاء به. ودعك ممّا يروّج له الفقهاء من الإحساس بجوع الفقراء وخلافه، لأننا لو كنا مجتمع المؤمنين حقّا لما تواجد بيننا فقراء بفضل فريضة الزكاة التي عطّلتها الحكومات التي تسمي نفسها إسلامية والمغرب مثال صارخ على ذلك، لأن من يحكمه يعتبر نفسه أميرا للمؤمنين، ومع ذلك، وبرغم ذلك، لا يفرض الزكاة على شعبه "المؤمن".

وإذا كان الهدف من الصوم هو "تقوى الله" كما يقول تعالى في الآية الكريمة السالفة الذكر، فالسؤال الذي يفرض نفسه بالمناسبة هو: 

- هل نحن متّقون حقا؟

الواقع يقول لا.. هذا علما أن المُتّقي هو الذي لا يخضع لنفسه الأمّارة بالسوء كالحيوان ويتصرّف بمسؤولية وأخلاق ليرقى إلى مقام الملائكة، أي أن التقوى هي غاية يعمل الإنسان للوصول إليها في صراعه اليومي بين ما هو مادّي وما هو روحاني، بين الحضيض الذي تمثله الأرض ونداء آدم للعودة إلى الحياة في الجنة.. لأنه إذا كانت طبيعة الإنسان الجسدية من طين، فإن حقيقة روحه المقدّسة روحانية من نور، وبالتالي، فنفسه التي تمثّل "الأنا الذاتية" إذا بلغت التقوى خلال شهر رمضان بتدارس القرآن بصفة خاصة، فإنها تجعل صاحبها يفوق الملائكة درجة يستحق عليها التكريم الذي خصّه به تعالى في الدنيا والآخرة حين جعل منه كائنا حرا صاحب إرادة، أي كائن أخلاقي بمعنى الكلمة.

أما السبب الذي جعلنا نفشل في هذا النوع من جهاد النفس لبلوغ درجة التقوى، فيكمن في تحريف الفقهاء للغاية المختصرة والمفيدة التي بيّنها الله لنا بالنسبة لكل فريضة شرّعها في كتابه، والمسؤولية على هذا الواقع الرديىء الذي نحن فيه نتحمّلها جميعا، وسوف نُسأل عنها بشكل فردي يوم الدين، لأنه بسبب هجرنا للقرآن وتمسّكنا بتفسير فقهاء الجهل والضلال لدين الله، وجدنا أنفسنا في لجّة الفوارق الشاسعة والصّارخة بين الغاية من الشريعة الربّانيّة وبين ما نحن عليه من جهل وذل وهوان وفساد وفقر ومرض وتخلف وانحطاط على أرض الواقع، وهي عاهات وأمراض لا تخدم إلا الفساد والظلم والاستبداد.

وبالنسبة لرمضان مثلا: ماذا لو قضى المؤمن الليل يذكر الله ويتدبر القرآن الكريم في بيته، هل يعود عليه ذلك بالنفع وعلى ذرّيته ومجتمعه أكثر من صلاة التراويح التي لم يُشرّعها الله تعالى، ولم يُقمها الرّسول عليه السلام جماعة في حياته، بل شرعها الخليفة الثاني عمر بن الخطاب واعتبرها بدعة حسنة، هذا بالرغم من قول الرسول الكريم عليه السلام أن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النّار؟

السؤال لا يحتاج لجواب إلا إذا كانت جينات الجهل التي دسّها الفقهاء في دم الأغبياء قد تمكّنت منهم لدرجة أنّهم لم يعودوا يستطيعون التمييز بين العقل والنقل، بين البصر والبصيرة، بين الزبد وما ينفع الناس.. فتحوّلوا إلى كائنات مسحورة فاقدة للعقل والإرادة والأخلاق.

لهذا السبب قال تعالى: (وما يؤمن أكثرهم بالله إلاّ وهم مشركون) يوسف: 106. 

اللهم اجعلنا من عبادك المتّقين، الذين سيكونون شهداء على الناس يوم القيامة ويكون الرسول عليهم شهيدا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق