بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 30 مارس 2023

هل صلاة التراويح سنّة تُؤدّى جماعة؟..

 

من المعلوم أن الصلاة في القرآن الكريم تعني، من جهة، "الصّلة" مع الله من خلال العبادة التي هي علاقة عمودية مباشرة بين العبد وربّه، ومنها الصلاة الحركية.. ومن جهة ثانية "الصّلة" مع الغير التي هي علاقة أفقية تحكمها طرق وأساليب التعامل الأخلاقي والإنساني حسب مقتضيات الاجتماع البشري. ومعلوم أيضا أن الصلاة الحركية كما شرّعها صاحب الدين في التنزيل الحكيم تنقسم إلى نوعين:.../...

- صلاة الفريضة: وتكون مسبوقة بأمر "الإقامة" بصيغة الجمع للدلالة على أهمّية إقامتها جماعة في المسجد من قبل المؤمنين، والآيات الدالة على ذلك كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى لرسوله الكريم: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلالٌ) إبراهيم: 31.

- صلاة التطوع: وهي صلاة النافلة التي نصح الله تعالى رسوله الكريم بتأديتها بشكل فردي في الليل كل يوم، ولا علاقة لها بما يُسمّى "سنة النبيّ" لأن من سنّها هو الله تعالى بشهادة القرآن، وقد استعمل فيها عز وعلى صيغة المفرد للدلالة على أنها لا تُؤدّى جماعة كصلاة الفريضة، بل تُؤدّى بشكل فردي لقوله تعالى: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) الإسراء: 79.

وبخلاف هذين النوعين من الصلاة لم يأتي الله تعالى على ذكر شيء اسمه صلاة التراويح بمناسبة شهر رمضان، والسؤال هو: 

- من شرّع صلاة التراويح إذن؟.. 

بالعودة إلى التراث نجد أن كتب الحديث والتاريخ أجمعت على أن صلاة التراويح ليست سنّة نبويّة بل "بدعة عمريّة" ابتدعها الخليفة الثاني بالرغم من أنه يعلم أن الرسول عليه السلام لم يكن يصلّيها في رمضان بل ونهى عنها، لأنه كان يُصلّي النافلة التي أمره بها الله تعالى بعد صلاة العشاء آخر الليل في بيته.

كما أن صلاة التراويح لم تكن تقام زمن الخليفة الأول أبا بكر الصدّيق الذي حارب الناس على ترك الزكاة لتمسّكه بتطبيق مقتضيات الدين كما كان الأمر زمن الرسول، ولم تكن تقام أيضا في السنة الأولى من خلافة عمر بن الخطاب.

وها هو البخاري يروي عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عبد الرحمن بن عبد القادر أنه قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة رمضان إلى المسجد فإذا بالناس أوزاع (متفرّقون) يصلّي الرجل لنفسه (بشكل فردي) ويصلّي الرجل فيصلي بصلاته الرهط (في جماعة صغيرة)". ومعنى الحديث أن الناس كانوا يصلون في المسجد إمّا بشكل فردي أو على شكل مجموعات متفرقة (رهط: أقل من عشرة) كل مجموعة تؤدي النافلة خلف إمام قارئ بعد صلاة العشاء التي تكون فيها الصلاة في جماعة واحدة باعتبارها فريضة.

ويضيف البخاري في نفس الحديث: "فقال عمر: إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب". لاحظ أن عمر هنا يعترف بعظمة لسانه أنه يقول في الدين برأيه لا بما شرّعه الله ولا بما أوصى به نبيّه، هذا علما أن الفقهاء أجمعوا على تحريم القول في الدين بالرأي.

وفي الليلة الثانية يذكر البخاري في نفس الحديث دائما ما مفاده: "ثم خرجت معه (أي مع عمر) في ليلة أخرى والناس يصلّون بصلاة قارئهم، فقال عمر: نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون". يقصد بذلك النافلة التي تقام آخر الليل كما امر بها تعالى والتزم بها رسوله الكريم بدل أن يقوم الناس بها جماعة في أوّل الليل بعد صلاة العشاء. 

والغريب أن عمر بن الخطاب يعترف في هذا الحديث أن ما أمر به الناس من صلاة التراويح جماعة في المسجد هو "بدعة" وصفها بأنّها "حسنة"، فيا للعجب.. هذا بالرغم من أن الرسول الكريم سبق وأن قال في إحدى خطبه: "أما بعد، فإن خيرَ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرَ الهديِ هديُ نبيّه، وشرًّ الأمورِ محدثاتُها وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ وكلَّ ضلالةٍ في النارِ". رفعت الأقلام وطويت الصحف.

وحيث أنه لا وجود لشيء اسمه "بدعة حسنة" لأن كل بدعة هي حكما ضلالة ومصير صاحبها في النار وفق ما يفهم من حديث رسول الله عليه السلام، خصوصا إذا كان الأمر يتعلّق بتشريع يتعلّق بالدين، ما دام المشرّع الوحيد والأوحد هو الله تعالى دون سواه، ولا يحق لأحد غيره، بما في ذلك الرسول عليه السلام، التطاول على هذا المجال وابتداع ما لم ينزل به الله من سلطان بشهادة القرآن، ومن يعتقد غير ذلك فإنه يكفر بآيات الله بل ويشرك مع الله أولياء يشرعون له في الدين، لأنه يتّهم القرآن بالنقصان والشريعة بعدم الكمال والله تعالى يقول (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) المائدة: 3.

وبالتالي، فحاشا رسولنا الكريم عليه السلام أن يكون قد فرّط في الرسالة ولم يبيّن للناس كل ما ينفعهم في دينهم، إلى أن جاء عمر من بعده فشرّع للمؤمنين ما سيفديهم في آخرتهم أكثر مما جاءهم به رسولهم والله تعالى يقول: (يا أيها الرسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس) المائدة: 67.

ووفق ما ورد في التراث بشأن الصّلوات التي تقام جماعة من غير الفرائض، فقد ذكر الفقهاء صلاة الاستسقاء وصلاة العيدين وصلاة الجنازة بالرغم من أن القرآن لم يأتي على ذكر هذه الأنواع من الطقوس. أما في رمضان فتذكر بعض المراجع أن الرسول عليه السلام كان يقيم النوافل بشكل فردي في بيته، وكذلك فعل بعض من أصحابه.

ودليل عدم جواز الجماعة في صلاة النوافل سواء في رمضان أو غيره عند أهل السنة والجماعة ما ورد في "صحيح مسلم" من أنَّ النبي عليه السلام قالَ: "إذا قَضى أحدُكم الصلاةَ في مسجدِهِ، فليَجعلْ لبيتِهِ نصيباً من صَلاتِهِ، فإنَّ اللهَ جاعلٌ من صَلاتِهِ في بيتِهِ خَيراً."(صحيح مسلم، ج: 2 / 187، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته).

وفي سُنن (أبي داود) عنه عليه السلام أنه قال:" عَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكُم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ المكتوبة) " سنن أبي داود، ج 2 / 69، حديث رقم: 1447).  

ووردَ في (الترغيب والترهيب) عن عبد اللّه بن مسعود أنَّه قال: "سألتُ رسولَ اللّهِ عليه السلام: أيُّما أفضلُ: الصلاةُ في بيتي، أو الصلاةُ في المسجد؟ قالَ: ألا تَرى إلى بيتي ما أقربَهُ منَ المسجدِ، فَلأنْ أُصلّي في بيتي أحبُّ إليَّ من أنْ اُصلّيَ في المسجد، إلا أنْ تكونَ صلاةً مكتوبةً". ونفس الحدث رواه أحمدُ وابنُ ماجة وابنُ خزيمة في صحيحه. (المنذري، الترغيب والترهيب، ج 1 / 379، حديث رقم: 4).

وجاءَ في مسند أحمد بن حنبل من نصه: " صلّى رسولُ اللّهِ صلاةَ المغربِ في مسجدِ بني الأشهل، فلمّـا صلّى قامَ ناس يتنفّلونَ، فقالَ النبيُّ: عليكم بهذه الصلاة في البيوت". (مسند أحمد بن حنبل، ج 5 / 427).

من هنا أفتى الإمام الشافعي باستحباب الانفرادِ بنافلةِ شهر رمضانَ فقالَ" : صلاةُ المنفردِ أحبُّ إليَّ منهُ".

ووردَ في (صحيح البخاري) عن عائشة عن رسولِ اللهِ عليه السلام أنَّه قال: "خرجَ ليلةً في جوفِ الليلِ فصلّى في المسجد، وصلّى رجالٌ بصلاتِهِ، فأصبحَ الناسُ فتحدّثوا، فاجتمعَ أكثرَ منهم، فصلّى وصلّوا معه، فأصبحَ الناسٌ فتحدّثوا، فكثُرَ أهلُ المسجدِ من الليلةِ الثالثة، فخرجَ رسولُ اللّهِ فصلّى وصلّوا بصلاتِهِ، فلمّا كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهلِه، حتّى خرجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضى الفجرُ أقبلَ على الناسِ فتشهدَ، ثمَّ قالَ: أمّا بعدُ ، فإنَّه لم يخفَ عليَّ مكانُكم ، ولكنّي خشيتُ أنْ تُفرضَ عليكم فتَعجزوا عنها. فتُوفّيَ رسولُ اللّهِ والأمرُ على ذلك". (صحيح البخاري، ج 3 / 45، باب: فضل من قام رمضانَ).

وللشيعة في الموضوع حديث بنفس المعنى لكن بصيغة مختلفة رواه محمد بن عليّ بن الحسين بأسانيده، ومحمد بن مسلم عن أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصّادق فقالا: "إن رسول الله – عليه السلام – كان إذا صلّى العشاء - في المسجد - انصرف إلى منزله، ثم يخرج من آخر الليل إلى المسجد فبقوم فيُصلّي. فخرج في أوّل ليلة من شهر رمضان ليصلّي كما كان يصلّي فاصطفّ النّاس خلفه، فهرب منهم إلى بيته وتركهم، ففعلوا ذلك ثلاث ليال، فقام في اليوم الرابع على منبره فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيّها النّاس، إن الصلاة بالليل في شهر رمضان من النّافلة جماعة بدعة، وصلاة الضحى بدعة، ألا فلا تجمّعوا ليلا في شهر رمضان لصلاة الليل، ولا تصلّوا صلاة الضّحى فإن تلك معصيّة، ألا وإن كل بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النّار". 

خلاصـــة:

ممّا سلف نخلص إلى أنه إذا كانت البدعة كما يوحي بذلك أسمها هي كل ما يحدث في الدين من أمر ليس فيه ما دام لم يُشرّعه صاحب الدين لعباده، فإن صلاة التراويح جماعة في المسجد صلاة غير مشروعة، وهي بدعة ابتدعها الخليفة الثاني الذي لا يُعتبر مُبلّغا عن الله، ولا خليفة لرسوله، لأن الله هو من يختار رسله بمعرفته ويأمرهم بتبليغ رسالاته، ويمنعهم من أن يضيفوا إليها أو ينقصوا منها شيئا.

وبذلك يكون من اعتبروا صلاة التراويح سنّة مؤكدة تقام في المساجد قد كذبوا على الله ونبيّه الذي لم يكن يمارسها بالطريقة التي مارسها بها المسلمون عبر العصور والدهور ولا يزالون على نفس البدعة ينقادون كالأغنام وراء فقهاء القشور الذين حوّلوا الإسلام من دين إلى كهنوت.

وهذا هو الفرق بين المسلم والمؤمن، ذلك أن المؤمن لا يُطبّق بعد الإيمان الذي اكتسبه عن تدبّر وقناعة إلا ما أمره به تعالى في محكم التنزيل، أما المسلم – إلا من رحم الله – فلا يقرأ، ولا يتدبّر القرآن، ويُطبّق فقط ما يُقال له من قبل فقهاء الجهل وشيوخ الضلال، بما في ذلك "بأي رجل يدخل الحمّام؟"، هذا في الوقت الذي تتقاذفه رياح الدنيا من طمع إلى جشع، فيتجاهل التقوى ويتغافل عن كل ما له علاقة بمكارم الأخلاق.

ورحم الله نزار قباني الذي قال: "يا سادتي الفقهاء، قبل أن تعلّموا ابنتي بأي رجل تدخل الحمّام، اسمحوا لي أن أعلّمها الأخلاق".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق