بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2022

ســـؤال الحياة والموت والبعث (4/3)

 


(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيّكم أحسن عملا)

الملك: 2

حقيقـــة المـــوت 

ما من شك أن الموت قضاء إلهي مبرم لا راد له لأنه مخلوق بأمر "كن"، فيما الأجل كتاب "مقدر" قد يتقدّم أو يتأخّر وفق ديناميكية الأسباب.. والحقيقة أنه لولا الحياة لما كان هناك موت، وبالتالي فمن خلق الحياة هو نفسه الذي خلق الموت لقوله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا) الملك: 2. والعمل الصالح وفق ما يفهم من الآية الكريمة هو العملة الصعبة الوحيدة التي على أساسها تتم المحاسبة في الآخرة بالنسبة لكل الأمم السابقة واللاحقة باختلاف مناهجها وشرائعها. ولأن الله منزه عن العبث، فقد خلق الحياة ليذكر الناس بأن خلاصهم في الآخرة يتوقف على أركان ثلاث: الإيمان بالله، الإيمان بالبعث، العمل الصالح الذي ينفع الناس.../...

وهذه هي أركان الإسلام الثلاثة وفق ما يستفاد من تعريف الإسلام في القرآن الكريم لقوله تعالى: (ان الذين امنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الاخر وعمل صالحا فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: 62، وهي نفس الآية التي تكررت في سورة المائدة تحت الرقم :68. وواضح أنها غير الأركان الخمسة التي روج لها فقهاء القشور باسم سنة ابتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان، ذلك أن الأركان الخمسة المذكورة من قبل الفقهاء تعتبر في القرآن من أركان الإيمان لا الإسلام، لأن المخاطبين بها هم "الذين آمنوا" وليس "الذين أسلموا" نظرا للفرق القائم بين الصفتين لقوله تعالى: (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان قلوبكم) الحجرات: 14، هذا مع الإشارة إلى أن الأركان التي قال بها الفقهاء جاءت ناقصة لأنها لم تشمل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقتال في سبيل الله، وذلك لأسباب سياسية واضحة لا علاقة لها بدين الله.

هناك من الصوفية من يعتقد أن الله سيغفر للجميع بدون استثناء بغض النظر عن حجم الذنوب التي ارتكبها الإنسان في حياته لأن رحمته سبقت غضبه، ويستدلّون على ذلك بقوله تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء) على شاكلة (ولا تقربوا الصلاة) المنزوعة من السياق، ذلك لأن تكملة الآية الأولى تقول بصريح العبارة: (... فسأكتبها – أي رحمتي - للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين بآياتنا يؤمنون) الأعراف: 156. وبذلك تكون رحمة الله مشروطة بالتقوى وأداء الزكاة والإيمان بآيات الله، وهي رحمة غير مطلقة كما توهّم البعض.

وكون الله خلق الموت ليختم به تجربة الإنسان في الحياة الدنيا، فذلك ليذكّر العباد بأن الناس كلهم سواء في سلسلة النشأة والتكوين، لا يختلف في ذلك قوي وضعيف، صغير وكبير، غني وفقير، شجاع وجبان، فكل نفس ذائقة الموت دون استثناء. ولأن الله تعالى جعل الموت والحياة كتابا مُقدّرا، وأحاط الموت بهالة من الخوف والرعب لا يزيحها عن نفس الإنسان إلا إيمانه بالحقيقة الثابتة التي تقول: "إن الموت ليس النهاية بل فقط البداية"، وبالنتيجة فللإنسان الخيار بين ثواب الدنيا وثواب الآخرة لقوله تعالى: (وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يود ثواب الدنيا نؤته منها ومن يود ثواب الآخرة نؤته منها وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران: 145. وشتان بين الثوابين.

وعلى هذا الأساس، فالذي يرغب في ثواب الدنيا يعيش الرعب من الموت، أما من يرغب في ثواب الآخرة فيعرف بيقين أنه إنسان خالد، وأن الموت هو مجرد انتقال من عالم صغير فاني إلى عالم واسع دائم باقي لا يحده وصف ولا يحيط به إدراك، أو كما وصفه الرسول عليه السلام بقوله: (فيه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على بال بشر). وهذا الهلع من الموت هو الذي يدفع الإنسان لتحديد خياراته والغاية من حياته. ذلك أن الأمر يشبه إلى حد كبير من يخطط للمدى القريب ومن يخطط للمدى البعيد.. فالأول يعيش على الأمل القاتل خوفا من فقدان نعيم الدنيا إلى أن يباغته الموت. أما الثاني فيعيش مطمئنا يأمل أن تشمله رحمة الله بعد أن يقدم صالح العمل في الحياة الدنيا، وبالتالي، لا يهمه متى أو كيف أو بأي أرض يموت، ما دام قدره بيد الله وفي قبضته ولا هروب منه إلا إليه لقوله تعالى: (كلا إذا بلغت التراقي * وقيل من راق * وظن أنه الفراق * والتفّت الساق بالساق * إلى ربك يومئذ المساق). القيامة: من 26 إلى 30. 

في تعريف الموت

أما من حيث التعريف، فالموت هو عكس الحياة، ويعني لغة مفارقة الحياة للجسم الذي يتحوّل إلى جسد حين تنهي كل وظائفه الحيويّة المعتادة. أما اصطلاحا، فيعني مفارقة الروح للجسم وزوال صفة الحياة عمّن اتصف بها فيصبح الإنسان جثة هامدة تتحول بعد حين إلى غبار يختلط بتراب الأرض.

ويُشخّص الموت طبّيّا وفق تعريفين: الأول يسمى الموت السريري، وهو حالة الانعدام الفجائي لدوران الدم في الأوعية مع الانقطاع التام عن التنفس إلى جانب فقدان الوعي. أما الثاني، فيسمى بالموت الدماغي أو البيولوجي، وهو حالة انعدام وطائف الجهاز العصبي بشكل كامل ونهائي (الدماغ والنخاع الشوكي معا).

ومن علامات الموت السريري: شخوص البصر، شحوب البشرة، غياب النّبض، انقطاع النفس، توقف الحركة، اتّساع لحدقتي العينين، ارتخاء للجسم في مرحلة أولى مع برودة تدريجية تكتسحه من أسفل إلى أعلى، تليها مرحلة تصلّب الجثّة ثمّ تحلّلها في مرحلة متأخّرة، وهو ما يسمح بتحديد زمن الوفاة علميّا. ومن خلال المعاينة التعرّف على أسباب الوفاة وطلب تشريح الجثة إذا كانت تحوم حول أسباب الموت شكوك. كما هو معمول به في علم الجرائم.

وقد اثبت العلم الحديث أن الإنسان، من حيث يدري أو لا يدري، يعيش الموت في كل وقت وحين.. ذلك أن كل خلاياه تحمل كتاب موتها المبرمج، فتموت الملايين منها كل يوم لتولد أخرى بدلا عنها في توازن بديع بين نظام الحياة والموت.. إلى أن ينتهي الأجل المقدر للإنسان فيعود جسده إلى التراب وتعود الروح إلى بارئها في عالم الذر والأنوار العلوية، لقوله تعالى: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويحيي الأرض بعد موتها وكذلك تخرجون) الروم: 19. وبهذا المعنى فلا شيء يفنى فيزيائيا ليخرج من الوجود إلى العدم، بل فقط يتحوّل كيميائيا من تركيبة إلى أخرى في عملية تتكرر إلى ما لا نهاية ما دامت السماوات والأرض قائمة بأمر ربها.

كل المعتقدات تجمع على أن الموت هو عبارة عن مغادرة الروح للجسد وانتقالها إلى عالم آخر حيث تعيش الأبدية في جسد جديد. وإذا كانت هذه المعتقدات ومنها الغربية لا تفرق بين النفس والروح وتخلط بينهما، فإن القرآن جاء ليفرق بينهما نظرا لاختلاف طبيعتهما، ويُستنتج من آياته أن الروح هي بمثابة الطاقة النووية الإلهية اللطيفة التي تتحكم في وظائف أعضاء الجسد وخلاياه كلها بما في ذلك القلب والدماغ، إن غادرته تعطلت هذه الوظائف ولم يعد للجسد والخلايا من نشاط، فيما النفس هي بمثابة "الأنا الذاتية" التي هي جوهر الإنسان اللامادي المُكوّن من العقل والقلب والفؤاد، وعندما تغادر النفس الجسد تستقر في عالم ما وراء البرزخ في انتظار الحساب لقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة) المدثر: 38. وليس صحيح أن النفس تستقر في البرزخ في انتظار البعث وفق ما ذهب إلى ذلك فقهاء الرسوم، لأن البرزخ بالمفهوم القرآني هو مجرد حاجز بين عالمين، عالم الملك وعالم الملكوت لقوله تعالى: (لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون) المؤمنون: 100، من هنا وجب التفريق بين البرزخ الذي هو مجرد حاجز، وما وراء البرزخ حيث عالم الملكوت السرمدي واللامتناهي. 

لا غرو أن حب الحياة غريزة كامنة في طبيعة الإنسان، يُقوّيها بريق العيش وجماله.. لكن الموت هي الحقيقة الوحيدة التي توقظنا من وهمنا لندرك أن الحياة ليست سوى حلم عشناه لثواني بمفهوم الزمن القدساني، وأننا بلغنا نهاية تجربة قصيرة لنبدأ حياة مديدة موعودة بالخلود. 

إن معرفة الحقيقة الكامنة وراء الموت هي الغاية التي من أجلها خلق الله الموت والحياة كما يفهم بوضوح من الآية 2 من سورة الملك السابقة الذكر. ولأن الله أراد للبشر أن يخلف بعضهم بعضا أمة بعد أمة، لا أن يخلفوا الله كما توهّم ذلك فقهاء الرسوم، لأن الخلافة تجوز في حق الميت أو الغائب لا في حق الحي الدائم، وبالتالي، لم يجعل تعالى الحياة دائمة لأحد وإلا لما أصبح لها من معنى، لقوله تعالى: (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا اذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة فاذكروا الاء الله لعلكم تفلحون) الأعراف: 69. خصوصا إذا علمنا أن المشرك والكافر والظالم والخائن لا يمكن أن يكونوا خلفاء لله في الأرض، ما يدحض نظرية الخلافة من أساسها.

 إن الموت حقيقة حتمية واقعة مهما اختلفت الأسباب أو طال العمر، فكل حي مصيره الهلاك بما في ذلك خير الأنام لقوله تعالى: (إنك ميّت وإنهم ميّتون) الزمر: 30. ولا يملك الإنسان منه مهربا.. إنه المشهد الدرامي الذي يُفرّق بين الأحبة، يهدم اللذات، يصرع الجبابرة، يقهر المستضعفين، ويذهب بالأنبياء والرسل، بل ويطال في نهاية المطاف حتى الملائكة المقربين بمن فيهم ملاك الموت لقوله تعالى: (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) الرحمن: 26 – 27.. والموت لا يصغي لصرخة ملهوف، ولا حسرة مفارق، ولا يراعي مكانة مخلوق.. لا ينفع معه دواء ولا رقيّة راق.. إنه لحظة الوداع الفارقة، لحظة الحقيقة المذهلة التي تذكر الجميع بحتمية المصير. الموت هو إعلان نهاية الامتحان بعد التجربة الأرضية التي يعقبها البعث والحساب فالجنة أو النار.. ولا طريق بعد الموت إلا الطريق الذي ينتهي إلى الله لقوله تعالى: (وإنّ إلى ربك المنتهى) النجم: 42. حينها، وحينها فقط يدرك الإنسان أن نفسه فرغت من أمر الدنيا، وخلّفت وراءها الأرض وما فيها، لتستقبل عالما جديدا وغريبا لا تعرف عنه شيئا، ولا تملك للنجاة من أمره مالا ولا جاها ولا سلطة سوى ما اذخرته في دنياها من صالح الأعمال.

سكـــرة المـــوت

يقول تعالى: (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ق: 19. والمراد بها دخول الإنسان في حالة النزع الأخير، بحيث يشتغل بنفسه وينقطع عن الناس وأحوال الدنيا. والناس مختلفون في شدتها، منهم من يكابدها بألم، لا بسبب الموت كما يعتقد العامة، بل بسبب المرض أو الغرق أو الحادث الفجائي، ومنهم من لا يشعر بها فينتقل إلى العالم الآخر كما ينتقل النائم بين الغفلة واليقظة، ولا علاقة لسكرة الموت بالإيمان من عدمه. ذلك أن الرسول عليه السلام عانى من شدتها بسبب أعراض التسمم الذي تعرض له من قومه أودى بحياته فقال قولته الشهيرة (إن للموت لسكرات) واعتبرها الفقهاء كفارة عن السيئات.

والسكرة لغة تعني الغفلة وفقدان الوعي كمن ثمل من شرب الخمر لدرجة ذهاب العقل. ويُعبّر عنها بحالة الإغماء التام من شدة الألم الذي يصيب المحتضر قبل وفاته، وهي علامة تدل على نهاية الحياة للانتقال إلى حياة أخرى مختلفة تماما، وهي اللحظة التي يدور حولها فضول كبير لمعرفة بماذا يشعر المحتضر تحديدا. وفي هذا الصدد أجرى باحثون في جامعة كولومبيا البريطانية بحثا عن حاسة السمع عند الوفاة نشرت نتائجه في مجلة scientific reports، وقد أجريت الدراسة على مرضى في أحد المستشفيات الكندية في مدينة فانكوفر، وكانوا على وشك الموت. وتمت مقارنة بياناتهم مع مجموعة مكونة من أشخاص في حالة صحية جيّدة. وتؤكد نتائج الدراسات أنه عندما يحين الأجل يفقد الإنسان وعيه، وهو ما يسمى في اللغة الدينية بالسكرات، فيقضي الإنسان لحظاته الأخيرة فاقدا للوعي منقطعا عن الواقع كأنه مُخدّر أو سكران. وقد خلص الباحثون إلى أن الناس بإمكانهم السماع حين يدخلون في حالة من فقدان الوعي قبل وقت قصير من وفاتهم. كما أوضحت الدكتورة "بلوندون" التي أجرت البحث أن "البيانات المحصل عليها تظهر أن الدماغ المحتضر يمكنه الاستجابة للصوت حتى في حالة اللاوعي إلى حدود الثواني الأخيرة من الحياة". ولعل هذا الأمر يدعم فكرة أن السمع هو آخر حاسة يفقدها المُحتضر.

أما الخوف الذي ينتاب الإنسان من الموت فهو في الحقيقة خوف يتعلق بما وراء الموت، أي بالمجهول الذي ينتظر الإنسان في الحياة الأخرى وليس بالموت نفسه. ذلك أن الموت وفق ما خلص إليه الدكتور "سام بارنيا" من جامعة نيويورك في دراسة له حول الظاهرة، هو: "عملية من مراحل وليست لحظة خاطفة"، لذلك، عندما تتوقف الرئتان عن التنفس ويتوقف القلب عن النبض، يستمر النشاط في الدماغ لمدة 3 دقائق أخرى على الأقل. وفي هذه الحالة، تؤكد النتائج العلمية أن الشخص يكون مدركا لوفاته، لكنه لا يستطيع أن يخبر عما يحصل له، وهذا ما يؤكده القرآن أيضا، كما أن الواقع يؤكد أن أول ما يسقط للإنسان لسانه فلا يستطيع النطق لوصف ما يحصل له.

ووفق عدة دراسات أخرى أجريت على الحيوانات في جامعات بريطانية وألمانية وغيرها، تبيّن أنه في حالات الموت، سواء بالقتل أو بالذبح (عيد الأضحى نموذجا)،  فإن أول ما يحدث خلال الثواني الأولى هو فقدان الحيوان للوعي وتعرضه للإغماء بسبب انقطاع تدفق الدم للمخ لما يحمله من أوكسيجين، ومعلوم أن الدماغ يستهلك 20 في المائة من دم وأوكسيجين الجسم، ويترتب عن انقطاع الدم والأوكسيجين عن الدماغ عدم شعور الحيوان بأي ألم البتة، وفق ما تم رصده بواسطة جهاز "الإي إي جي" الموصول بالدماغ، بحيث لوحظت حالة واضحة من فقدان الشعور تلاها مباشرة توقف القلب عن الخفقان. ما يؤكد أن الشعور بالألم له ارتباط بتدفق الدم من القلب إلى مركز الشعور في المخ عبر النخاع الشوكي. لهذا أحل الله ذبح الحيوان وأمر بالإحسان في ذبحه، لعلمه أنها الطريقة المثلى التي لا يشعر فيها الحيوان بالألم. فسبحان الله العليم الحكيم. ولو علم الناس هذا السر لما ترددوا في طلب الشهادة في سبيل الله عندما تتطلب الظروف ذلك، وذلك دفاعا عن النفس لا عدوانا بغير حق كما يحدث في الإرهاب. بدليل قوله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم)، في إشارة إلى الفرق بين فضل القتال في سبيل الله وما أعده تعالى للشهداء من أجر، وشر عاقبة القعود بين الخوالف بالرغم من القدرة على القتال وما أعد الله لهم من سوء العذاب. 


وحول نشاط الدماغ أثناء الاحتضار، أجرى باحثون من الصين وإستونيا وكندا والولايات المتحدة، دراسات نشرت في مجلة عليمة متخصصة، نقلها تقرير نشر على موقع تكنولوجي نيتوركس  حيث كشف علماء أول دليل علمي من دماغ إنسان يحتضر، وسجلوا نشاطه واكتشفوا أنماط موجات دماغية إيقاعية في وقت قريب من الموت تشبه تلك التي تحدث أثناء الحلم واسترجاع الذاكرة والتأمل، مما يشير إلى ما يشعر به الشخص ويراه في لحظات الاحتضار، ويشبه الأمر إلى حد بعيد عملية استرجاع الإنسان لشريط أهم الأحداث التي وقعت في حياته فيراها  تمر كوميض البرق في ثواني معدودات، يتواجد فيها المحتضر متفرجا من خارج جسده، وقد طرحت هذه الحالات الغريبة قديما عديد الأسئلة التي حيرت علماء الأعصاب لقرون طويلة وبدأ العلم حديثا فقط يصل إلى بعض الأجوبة الأولية لها. 

وخلص العلماء إلى أنه من خلال توليد التذبذبات المتضمنة في استرجاع الذاكرة، قد يلعب الدماغ آخر استدعاء لأحداث الحياة المهمة قبل موتنا مباشرة، على غرار تلك التي تم الإبلاغ عنها في تجارب الاقتراب من الموت.. تتحدى هذه النتائج فهمنا لمتى تنتهي الحياة بالضبط وتولد أسئلة أخرى صعبة مثل: - هل انتهاء الحياة يكون بالنسبة للجسد فقط؟ بمعنى، هل الإنسان كائن خالد لا يموت؟ 

وحيث أن الموت المادي إن صح التعبير هو عملية مستمرة في الوقت، فإن موت الخلايا العصبية في الدماغ قد يستغرق عدة ساعات لتصل إلى السكون التام. وأول حاسة يفقدها الإنسان عند الاحتضار هي البصر، ثم الذوق، ثم الشم، ثم اللمس، ثم أخيرا السمع عندما يتوقف القلب عن الخفقان حسب آخر الدراسات العلمية التي أجريت في هذا الصدد.

من جهة أخرى، خلصت دراسات نفسية حديثة أجريت من قبل علماء في جامعة نورث كارولاينا، ونشرت في مجلة العلوم النفسية، وشملت أشخاصا مرضى يحتضرون في أيامهم الأخيرة، ومساجين ينتظرون الإعدام، ومتطوعين طلب منهم تخيل أن أمامهم أشهرا قليلة للحياة.. وخلصت الدراسة إلى أن انتظار الموت هي تجربة أسعد مما يتخيل معظم الناس، وإن اقتراب الموت يرتبط بمشاعر إيجابية وسعيدة وذات معنى. وعموما عبر غالبية من خضعوا للدراسة عن عدم شعورهم بأي ندم، مؤكدين أنهم عاشوا حياة كاملة، مع عائلة وأصدقاء رائعين، لذلك إذا كان هناك درس أخير تعلموه، وفق ما يقولون، فهو: "أن الحب هو سر السعادة، وأن الصدق هو مفتاح الخلاص". ولوحظ أيضا أن المواضيع ذات مغزى التي اثارت اهتمام الخاضعين للدراسة هي قضايا الأسرة والدين.

وليس غريبا والحال هذه أن يركز الخطاب الديني على توجيه الإنسان نحو الاهتمام بالوالدين والأزواج والأبناء وذوي القربى وإعطاء الأولوية لرابطة الرحم، مع التشجيع عموما على إقامة العلاقات الإنسانية الودية من منطلق المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية المشتركة، باعتبار أن الإنسان وجد قبل الدين، أو كما يقول الإمام عليّ كرم الله وجهه: "الناس صنوان، أخ لك في الدين أو أخ لك في الخلق".

يتبـــع...


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق