بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 29 يوليو 2023

روسيا تختار المغرب رائدا لقاطرة التنمية في إفريقيا..

 


ما حدث في اجتماع القمّة الإفريقية الروسية بعث برسائل واضحة لكل من يراهن في الغرب على وهم تكريس استغلال ثروات إفريقيا وابتزاز بعض من أنظمتها الفاسدة لتأبيد تبعيّتها للغرب الاستعماري الخبيث. والإشارة هنا إلى فرنسا التي استغلت لأزيد من 100 سنة ثروات هذه القارة الغنية وأشاعت الفساد في بعض أنظمتها التابعة لها وأغرقت بلدانها بالديون ما ترتب عنه الفقر والمرض والحروب الأهلية.../...

وإذا جاز لنا أن نضع عنوانا للقمة الروسية الإفريقية التي عقدت في جنوب إفريقيا يومي الخميس والجمعة الماضيين، نستطيع القول إنها كانت قمّة تكريس استقلال القرار السيادي لدول إفريقيا بعد عقود من الاستقلال الصوري الذي لم يحرر إرادة شعوب القارة العجوز من التبعيّة المذلّة، وخصوصا لفرنسا المجرمة.

وللإشارة، فقبل انعقاد القمة بأيام قليلة، نجحت روسيا في قلب نظام الحكم في النيجر، وهي الدولة التي كان رئيسها يدين بالولاء الأعمى لفرنسا، وكانت الأخيرة تستورد منها اليورانيوم النقي الذي يتيح لها توفير 70% من الطاقة الكهربائية، الأمر الذي يعتبر ضربة موجعة لفرنسا ورئيسها الفاشل ماكرون.

وقبل النيجر نجحت روسيا باسم الصداقة بين الشعوب وقوتها الضاربة "فاغنر" من تحرير بوركينا فاسو، وإفريقيا الوسطى، والصومال، ومدغشقر، والسودان، وليبيا من الاحتلال الغربي عموما بما في ذلك قطر وتركيا، والإحتلال الفرنسي على وجه الخصوص، ففقدت فرنسا كل معاقلها القديمة في إفريقيا وذهبت مصالحها هباء منثورا، وفهم أحفاد نابليون أنه لا يمكن معاكسة الدب الروسي ومعاداته واللعب معه في ساحاته الخلفية كأوكرانيا على سبيل المثال. 

ولعل ما ميّز هذه القمّة التي حضرها الرئيس بوتين شخصيا فيما له علاقة بالمغرب إشارتان:

- الأولى: رفض بوتين حضور ممثل الجمهورية الصحراوية الوهمية المسماة البوليساريو" برغم ضغط الجزائر ورهان الرئيس تبون على ذلك خلال زيارته الأخيرة إلى موسكو.

- الثانية: إعطاء الرئيس بوتين كلمة افتتاح القمة لرئيس الوزراء المغربي عبد العزيز أخنوش ممثلا لعاهل المغرب، في إشارة إلى أن روسيا تراهن على المغرب باعتباره بوابة إفريقيا ومصنع المستقبل بالنسبة للقارة ورائد قاطرة التنمية للسنوات والعقود القادمة، وهو الأمر الذي لم تكن تتوقعه لا الجزائر ولا جنوب إفريقيا التي كان البروتوكول يقتضي أن تكون الكلمة بعد كلمة بوتين للبلد المنظم للقمة. لكن بوتين فضل إعطاء الكلمة الأولى للمغرب ولعب هو دور المنسّق الذكيّ الذي يوزّع الرسائل المطلوبة في كل الاتجاهات.

أما فيما له علاقة بالجزائر، فيشار بالمناسبة إلى أن الرئيس تبّون لم يحضر القمة التي راهن عليها كثيرا لتسويق وهم تقسيم المغرب بمعيّة جنوب إفريقيا، ويقال أنه أصيب بجلطة قلبية في نفس الوقت مع رئيس الجمهورية الوهمية، فنقل الأول بطائرة خاصة للعلاج في ألمانيا، فيما نقل الثاني إلى إحدى مستشفيات الرفاق في كوبا، ولم يجد رئيس أركان الجيش  العجوز شنقريحة ما يهدئ به أعصابه غير إشعال النار في منطقة القبائل التي تطالب باستقلالها عن جمهورية الكابرانات المتخلّفة لإشغال الرأي العام الداخلي عما يحدث بين روسيا والمغرب، وهي جريمة حرب شنيعة أودت بحيات أزيد من 6 ألف شخص من المدنيين والعسكر ناهيك عن مئات ملايين الدولارات من الخسائر في الممتلكات العامة والخاصة التي أصابت منطقة القبائل المستهدفة، ولولا تدخل المغرب لإخماد الجحيم المستعر بعد أن عجزت حكومة الكابرانات واستغاثت به على مضد لوقع ما لا تحمد عقباه، ويشار في هذا الصدد إلى أن رئيس جمهورية القبائل الشقيقة تقدم بشكوى رسمية إلى الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ضد جنرالات الجزائر معزّزة بصور الأقمار الصناعية التي تثبت أن أفراد من الجيش الجزائري هم من أشعلوا النيران من خلال استعمال عجلات الناقلات المشتعلة في الغابات، وأن طائرة هلكوبتر جزائرية كانت تطير فوق الحرائق وترش مادة مشتعلة لتزيد من سرعة انتشار النيران. 

أما عن المكاسب التي تحققت في القمة الروسية الإفريقية، فكثيرة وإن كان بعضها رمزيا باعتباره مجرد بداية لما هو قادم من تعاون من جهة، ونظرا لظروف الحرب التي تخوضها روسيا ضد الناتو في أوكرانيا من جهة ثانية، ومنها:

- تنازل موسكو عن ديونها للدول الإفريقية والتي تقدر بـ 23 مليار دولار.

- تقديم 90 مليون دولار لبعض الدول الإفريقية الفقيرة لتتخلص من ديونها للغرب وتحقق بذلك استقلال قرارها السيادي.

- تقديم عشرات الآلاف من أطنان القمح مجّانا لستة دول إفريقية فقيرة هي مالي، بوركينا فاسو، إفريقيا الوسطى، زمبابوي، الصومال، ناميبيا. وهي المبادرة الرمزية التي ستتبعها مبادرات أخرى مع إشارة روسيا إلى أن القمح الأكراني الذي تذرف أوروبا الدموع على منعه من التصدير عبر البحر الأسود كان يذهب للدول الأوروبية الغنية والمتوسطة بدل الدول الإفريقية الفقيرة.

- تمكين الدول الإفريقية من مختلف أنواع التكنولوجيا الروسية لمساعدتها على تطوير مشاريع تنموية محلية تنقلها من دول متخلّفة وتابعة للغرب إلى مصاف الدول السائرة في طريق النمو سواء في المجال الفلاحي أو الصناعي أو الخدماتي.

- إلغاء تأشيرات السفر المفروضة على كل الدول الإفريقية وفتح جامعات روسيا ومعاهدها المتخصّصة للطّلبة الأفارقة لتكوين الأطر المستقبلية التي تحتاجها بشدّة الدول الإفريقية. بخلاف فرنسا العنصرية التي تحتقر العنصر الإفريقي وترفض منحه التأشيرة باستثناء نخبة من المُتميّزين الذين تستفيد منهم ماديا ودعائيا كلاعبي كرة القدم على سبيل المثال لا الحصر.

- اعتماد العملة المحلية للدول الإفريقية في التبادل التجاري بينها وبين روسيا، الأمر الذي يضرب الدولار والأورو في الصميم ويهز مركزهما من على عرش الاقتصاد العالمي. ويشار إلى أن روسيا تعتزم بمعيّة الصين ودول البركس طبع عملة دولية جديدة مع العودة لنظام الضمانة المقابلة بالذهب كما كان معمول به قبل السبعينات وألغتع أمريكا لإغراق الأسواق العالمية بعملة ورقية لا قيمة حقيقية لها. 

- عقد اتفاقات على هامش القمة بين وسائل إعلام روسية مرموقة ووسائل إعلام إفريقية للترويج للشراكة الاستراتيجية بين موسكو والدول الإفريقية باعتبارها شراكة تخدم مصلحة الشعوب لا المصالح الاستعمارية وتعزز نفوذ روسيا في القارة العجوز كقوة حامية لسيادة الدول الإفريقية.

- عقد شراكة استراتيجية مع المغرب تتمثل في إقامة مشروعين ضخمين: 

الأول: يتعلق ببناء محطات كبيرة لتحلية مياه البحر في المناطق الجنوبية، وذلك لتوفير الماء والكهرباء للساكنة واستغلال الهيدروجين الأخضر كطاقة في صناعة السيارات المستقبلية.

- الثاني: نقل التكنولوجيا الروسية لصناعة الحافلات الكهربائية إلى المغرب بطلب شخصي من الملك، وذلك من خلال إقامة مشروع ضخم مشترك بين البلدين لسد حاجيات السوق المحلي المغربي والروسي وكذا أسواق الدول الإفريقية والغربية والأسيوية من هذا النوع من الناقلات التي تستخدم بكثرة في المجال الحضري نظرا لتكلفة تشغيلها المعقولة ومردوديتها الكبيرة ناهيك عن ميزة محافظتها على بيئة نظيفة.

- ولا ننسى بالمناسبة مشروعين ضخمين لبناء مفاعلين نوويين في المغرب فقيمة 40 مليار دولار تم التفاوض بشأنهما في انتظار إجاد مصادر التمويل المناسبة.

- كما تجب الإشارة إلى أن المغرب هو من يتولى نقل البترول الروسي من الناقلات الروسية في عرض البحار وتسويقه لدول مختلفة منها إسبانيا التي تشتري ما يناهز 60 ألف طن من البترول الروسي يوميا من المغرب، وبهذه الطريقة تتجنب روسيا الحظر المفروض على صادراتها بفضل مساعدة المغرب، وبعلم وموافقة ضمنية من قبل أمريكا والدول الأوروبية خوفا على انهيار الإقتصاد الغربي بعد أن امتنعت السعودية عن زيادة إنتاجها لإغارق السوق بالنفط بطلب من واشنطن كإجراء عقابي ضد الإقتصاد الروسي.

وواضح أن هذه الإجراءات الأولية التي اتخذت في القمة، هي مجرد بداية لعهد جديد فتح على مصراعيه بين روسيا والدول الإفريقية، وهي للإشارة إجراءات تصب جميعها في مصلحة الشعوب بدل الأنظمة الأمر الذي يقطع مع الفساد الذي زرعت بذوره فرنسا والدول الاستعمارية في إفريقيا.

أما بالنسبة لقضية الصحراء المغربية، فقد تبيّن أن روسيا تعترف ضمنيا بسيادة المغرب عليها، بدليل أن اتفاقية الصيد البحري الموقع بينها وبين السلطات المغربية يسمح لأسطول الصيد الروسي بممارسة نشاطه التجاري في المياه الإقليمية الصحراوية، وهو الأمر الذي لم تستطع أوروبا التخلص من عقدته بسبب القضاء المتحيّز لجمهورية الوهم الصحراوية بخلاف بريطانيا التي رفضت محاكمها النظر في طعون هذه الشرذمة من المرتزقة الإرهابيين.

وبذلك تكون الجزائر قد تلقت صفعة قويّة من روسيا التي انحازت إلى مصالحها مع المغرب بدل المراهنة على الوهم الذي تروّح له الجزائر، ويذكر أن سبب هذا التحوّل يعود حسب مراقبين، إلى أن روسيا سبق وأن طالبت الرئيس تبون خلال زيارته الأخيرة للجزائر بإعارتها الأسلحة التي سبق وأن زودت روسيا  الجزائرى بها، وذلك بسبب الحرب في أوكرانيا كما هو منصوص عليه كشرط في عقود بين الأسلحة الروسية للدول الصديقة والحليفة، لكن الجزائر وبسبب تحال المغرب العسكري مع إسرائيل وخوفها من أن يقوم بالهجوم عليها لاستعادة الصحراء الشرقيّة، وزّعت الجيش الجزائري والأسلحة التي اشترتها من روسيا على طول حدودها الغربية مع المغرب، وذلك لقطع الطريق أمام الطلب الروسي، وهو ما فهمه بوتين فرد للجزائر الغبيّة الصفعة بأقوى منها، بحيث أصبح نظام الكابرانات معزولا في المنطقة في انتظار نهايته الحتمية والتي لن تتأخر كثيرا.

وللحديث بقيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق