بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 22 يوليو 2023

لماذا يذرف تبّون دموع الخيبة على حائط المبكى؟ ..

 

منذ تعيينه من قبل عصابة شنقريحة والرئيس تبون لا يفوّت فرصة إلا ويستغلّها للترويج لمقولة مشروخة مفادها أن بلاده تعد قوّة ضاربة في شمال إفريقيا، وأن هذا الأمر ليس مجرّد كلام موجه للاستهلاك الإعلامي كما قد يتوهّم البعض، بل هو حقيقة ماثلة للعيون بالنظر إلى الميزانية الضخمة التي تخصصها الدولة للإنفاق العسكري والتي بلغت سنة 2023 على سبيل المثال لا الحصر أزيد من 23 بليون دولار أي ما يعادل 23% من مجموع الميزانية العامة للدولة المقدرة بـ 99 بليون دولار مع عجز غير مسبوق تجاوز 42 بليون دولار، ودون تحديد دقيق لمصادر تمويل هذا العجز المهول، ناهيك عن أن بنود الإنفاق المدرجة في الميزانية العامة لا تتوافق في مجملها مع الأولويات الواردة في القانون المالي، الأمر الذي لا يساعد على تخليص المواطنين الجزائريين من الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تواجههم.../...

والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: - بمثل هذه الأرقام الوهميّة، وخصوصا العجز الذي بلغ 42 مليار دولار، وفي غياب مشاريع منتجة فلاحية وصناعية وبنى تحتية تشجّع استقطاب الاستثمارات والسياحة وتوفّر للدولة مداخيل داعمة، ودون أن تقترض الجزائر من مصادر خارجية، كيف يمكن يا ترى اعتبار بلاد الكابرانات قوّة ضاربة كما يقول رئيسها؟

ثم من ناحية عقلية ومنطقية، كيف يمكن تصديق مثل هذا الخطاب والعالم أجمع يعرف حق المعرفة مدى فساد المؤسسة العسكرية الحاكمة والمسيطرة على خيرات البلاد ومقدرات العباد؟

بل أكثر من ذلك، كيف يمكن لدولة متخلّفة كالجزائر بفضل وجود نظام فاسد وفاشل كنظام الكابرانات الذي يحكمها أن تكون قوة ضاربة وكل مؤشرات التنمية تؤكّد الحالة المزرية التي اصبح عليها اليوم الشعب الجزائري المسحوق، بحيث لم يعد خافيا على احد عمق الأزمة الاقتصادية البنيوية المستفحلة التي يحاول تبّون التعمية عليها بشعارات شعبويّة أكل الدهر عليها وشرب، خصوصا أمام ما يراه اليوم المواطن الجزائري البسيط من نهضة وتقدم وتطوّر على كل الصعد والمستويات في البلاد المجاورة التي هي المغرب، والذي تحوّل برغم النزاع المفتعل على الصحراء الذي دام لأزيد من خمسة عقود بهدف تعطيل مسيرته التنموية، وبرغم التهديد العسكري لدفع البلاد إلى صرف مقدراتها على سباق التسلح بدل مشاريع التنمية.. إلا أنه وبرغم ذلك، وبفضل البصيرة النافذة والسياسة الحكيمة لعاهل البلاد، تحول المغرب في غضون أقل من 20 سنة إلى قوة عظمى في المنطقة، ودولة تضاهي الدول الأوروبية المتقدمة على صعيد البنى التحتية والمشاريع الفلاحية والصناعية والتكنولوجية والخدماتية الكبرى، لدرجة أن بعض الجزائريين من دهشتهم لما حققه المغرب من تقدّم وازدهار بالرغم من عدم توفّره على البترول والغاز كما هو حال بلادهم الجزائر، تمنّوا علنا لو أن الملك يستعمرهم ليحوّل بلادهم إلى جنّة مثل المغرب، ولا أدل على ذلك ما أصبحت عليه الأقاليم الجنوبية المسترجعة التي تحوّلت إلى جنة خضراء مقارنة مع مخيم العار في تندوف والذي لا يختلف في شيء عن حضيرة الأغنام والماعز والجمال وسط جحيم الصحراء. 

فأين يذهب نظام الكابرانات من هنا؟؟؟  

الجزائر لا يمكن أن تكون قوّة ضاربة، لأن من هو كذلك لا يتفاخر بإعلان ذلك، ممّا يؤكّد أن هدف العسكر وخادمهم الغبيّ المدعو تبّون، هو التغطية على الفساد الضارب جذوره في المؤسسة الحاكمة حتى النخاع، كي لا يُساءل الشعب الجزائري المقهور حكّامه عن مصير ثروته وأسباب تخلّفه الحقيقيّة.. هذا هو السبب يا سادة ولا وجود لسبب غيره، بدليل أن قضية الصحراء الغربية المغربية المفتعلة شكّلت على الدوام لكابرانات البلد المجاور بقرة من ثديها يرضعون، إلى أن جف ضرعها اليوم ولم يبقى فيه من حليب سوى الدم، وهذا ما يخيف نظام الجزائر الغبيّ ممّا هو قادم، خصوصا بعد أن شاهد شنقريحة وزبانيته بأم العين ما فعله غضب الجيل الجديد من الجزائريين مؤخّرا في فرنسا، فاستشعروا الانتقام القادم، انتقام فرنسا بسبب تحريض سفارة الكابرانات على حرق البلد الذي استضافهم ووفّر لهم الشغل والخبز أنقذهم من الفقر والذل، وانتقام الجزائريين الأحرار الذين ضاع مستقبلهم في انتظار الوهم.

وكدليل على ما نقول، أكدت عديد المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي على أن معدّل البطالة اليوم تجاوز 19% في الجزائر، وأنه مرشح للتفاقم أكثر إذا استمر النهب والسلب والفساد على ما هو عليه.

وفي دراسة أجراها مركز بوسطن الأميركي للاستشارات الاستراتيجية قبل فترة، تبين أن 83 في المئة من المستجوبين الجزائريين يطمحون إلى تغيير ظروف عملهم، بالانتقال إلى العمل خارج بلدهم بعد أن فقدوا الأمل في دولتهم، وهو ما يفسّر تنامي ظاهر الهجرة غير الشرعية بقوارب الموت التي سجلت ارتفاعا مهولا في السنوات الثلاثة الماضية. ويقول المركز المذكور أن السبب: هو أن الوضع أصبح لا يطاق في الجزائر؛ فمستوى التعليم ضعيف جدا، والبطالة مستفحلة بشكل يهدد الاستقرار الداخلي، فيما الإرهاب القابع في الجنوب ومخيمات تندوف يهدد الأمن الداخلي، المستشفيات مهترئة، المدارس مكتظة وفي حالة يرثى لها، بعض البنايات في المدن تكاد تسقط على رؤوس المارة دون أن تهتم الدولة بإصلاحها، الإنارة غير متوفرة في الشوارع الهامشية وأيضا يشتكي عديد الجزائريين من الانقطاعات المتكررة في الكهرباء بسبب التقنين حينا والأعطاب التي تصيب شبكة الكابلات المهترئة خصوصا في فصل الشتاء.. لكن الخطر الكبير الذي يتربّص بالبلاد وفق المركز المذكور هو خطر هيمنة الفكر الأصولي المحتكر للخطاب الديني المتطرّف والمسيطر على عقول الشباب، ناهيك عن مظاهر الفساد المستشري في كل مؤسسات البلاد، والظلم المتفشي في القضاء غير المستقل والذي يأتمر بتعليمات العسكر. كما وأنه على مستوى التعليم العالي تتذيّل الجزائر في مؤخّرة ترتيب الجامعات الإفريقية والعالمية.

أما ملف حقوق الإنسان فحدث ولا حرج، ذلك أن كل منظمات حقوق الإنسان تفضح كل سنة تجاوزات نظام العسكر في هذا المجال، وتكشف ما يتعرّض له المواطن الجزائري من ظلم وقمع وتنكيل، خصوصا المعارضين لنظام العسكر. ناهيك عن مظاهر الاعتقالات التعسفّية والمحاكمات الصورية ومظاهر التعذيب بل والقتل التي يرتكبها الكابرانات في مخافر الشرطة والدرك الأمر الذي أشاع جوّا من الرعب في نفوس الجزائريين.

ويشهد المراقبون أن لا وجود في دولة العسكر لشيء اسمه حرّية الرأي والتعبير، خصوصا بعد أن سيطر بوتفليقة أثناء رئاسته للبلاد على ما يناهز 162 مؤسسة إعلامية يغدق عليها العسكر المال العام بسخاء لتزيين وجه نظامهم القبيح في الداخل والخارج، ولم يبقى للشباب الجزائري الحر غير مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آراءهم بطرق ملتوية وأسماء مستعارة خوفا من الاعتقال والمتابعة.

هذا الوضع كما يقول مراقبون، وضع الشعب الجزائري بين مطرقة العسكر وسندان الإسلاميين، وبدعوى محاربة الإرهاب الإسلاموي يخول النظام العسكري لنفسه تخطّي كل الحدود الممكنة والمتخيّلة بما في ذلك اقتحام بيوت المواطنين الآمنين ليلا، وقتل المعارضين للنظام بدم بارد دون حسيب أو رقيب بدعوى أنهم إرهابيين. 

ويمكن القول حسب ما خلص إليه دارسون للوضع الكارثي في الجزائر أن العسكر نجحوا في تأبيد حكمهم الظالم والفاسد بفضل معادلة بسيطة من شقّين ومفادها: "لولا العسكر لما تغوّل الإسلاميون، ولولا الإسلاميون لما حكم العسكر" (هكذا).

أمّا الانتخابات، فالحديث عنها لا يمكن أن يكون إلا من باب النكتة، ذلك أن المشاركة فيها لا تحظى بالحد الأدنى المطلوب للتعمية على الصورة الديموقراطية المزيّفة التي يريد أن يبعث بها نظام الكابرانات إلى الخارج، ناهيك عن أن الجزائر التي تطالب بتقرير مصير "الشعب الصحراوي" وفق مبدأ "تقرير المصير" الذي لا يعني بالضرورة الاستفتاء كآلية بل يمكن أن يكون من خلال آلية الحكم الذاتي أيضا والتي تحظى اليوم بإجماع دول العالم التي اكتشفت زيف الخطاب الجزائري فتحوّلت إلى تأييد غير مشروط للمقترح المغربي العادل والواقعي.. أقول، أن المعضلة الكبرى في الديمقراطية الجزائرية أنها لا تشمل منطقة القبائل، والتي، حسب مراقبين دوليين، لم يفتح فيها أثناء الانتخابات البلدية والبرلمانية والرئاسية السابقة أي مكتب للاقتراع، وبالتالي لم يجمع منها ولو ورقة واحدة تعبر عن رأي شعب القبائل المحتل.

وبعد كل هذا وغيره مما لا يسع المجال لذكره في هذه العجالة، تبقى القوة الضاربة الوحيدة في الجزائر هي الرعب المعنوي الذي انتاب شنقريحة الحاكم الفعلي للبلاد، فبعث بخادمه تبوّن إلى روسيا ثم الصين أملا في استجداء دعمهما ضد المغرب، لكنه لم يحصد سوى الفشل وبيانات لا تعدو عن كونها حبر على ورق لا تعني ما تقول بقدر ما استخدمتها القوّتين الكبيرتين كمناديل مرحاض لابتزاز تبّون دون التفريط في مصالحهما مع الدولة المغربية الشريفة بعد أن أصبحت قوة إقليمية كبرى في المنطقة وقطب اقتصادي استراتيجي يتحكم في الصناعة والطاقة وممرات التجارة بين مختلف جهات العالم (أوروبا وإفريقيا وآسيا وأمريكا).

وما يؤكد ما ذهبنا إليه هو أن الكراكوز تبّون وبعد أن أعلنت إسرائيل اعترافها بسيادة المغرب على صحرائه أدرك هو وأسياده الذين يحرّكون خيوطه أن اللعبة انتهت، وأن ما تملكه إسرائيل من قوة عسكرية ولوبيات سياسية واقتصادية على مستوى العالم وضعتها في خدمة تحالفها الجيواستارتيجي مع المغرب في المنطقة سيغير ليس وجه إفريقيا فحسب، بل وأوروبا أيضا، وبالتالي، لم يعد للجزائر من دور تلعبه في المنطقة بعد اليوم، وأن نهاية نظام الكابرانات قد اقترب.

هذه الحقيقة هي التي دفعت بتبّون للسفر إلى قطر والاجتماع مع أميرها حيث أفادت تقارير إعلامية أن تبّون طلب من أمير قطر التوسّط للجزائر لدى القوى الغربية التي تملك فيها قطر استثمارات ضخمة قصد الضغط عليها لعدم السير في خذ تأييد رؤية المغرب لمنطقة شمال وشمال غرب إفريقيا. 

وبما أن زيارته لقطر لم تؤتي أكلها فقد سارع إلى السفر إلى تركيا ولقاء الرئيس أردوغان أمس في أنقرة، وكان طلبه منه مفاجئا وغريبا هذه المرة، وهو أن يتوسّط أردوغان لتبّون لدى إسرائيل كي تسمح له الأخيرة بزيارة تل أبيب بهدف عرض التطبيع معها حماية لنظام العسكر من السقوط القادم الذي أصبح قاب قوسين أو أدنى. 

لكن إسرائيل، وعلى لسنا أعضاء يهود مغاربة في الكنيست وأعضاء مؤثرين من حزب الليكود قالوا إن جواب تل أبيب كان هو الرفض، فإسرائيل لا تريد علاقة مع نظام العسكر الذي تحالف مع إيران وحزب الله ويتاجر بالقضية الفلسطينية ويندد بإسرائيل في المحافل الدولية، وأن تحالفها مع المغرب تحالف تاريخي لا رجعة فيه وسيغيّر وجه المنطقة لا محالة.

من هنا نفهم سبب دعوة عاهل المغرب نتنياهو لزيارة المغرب، وذلك وفق أعضاء من حزب الليكود في الكنيست الإسرائيلي، لوضع استراتيجية واضحة للتعامل مع الجزائر من جهة، والاستفادة من قوة إسرائيل العسكرية والاقتصادية والسياسية وتسخيرها لصالح التحالف الأمريكي الإسرائيلي المغربي في المنطقة، بما لا يدع مجالا لضغوط فرنسا أو غيرها من الدول الاستعمارية القديمة.

وبعد هذا الفشل المدوي والنتيجة الصادمة التي حصدها تبون من زياراته الأخيرة في محاولة يائسة وبائسة لتغيير مجرى التاريخ، لم يعد للرجل من حل سوى أن يذرف دموع الخيبة على حائط المبكى في القدس الشريف، لكن للأسف، حتى هذا الحل غير ممكن بسبب رفض تل أبيب القاطع لاستقباله وإعلان مجلس أمنها القومي أن الجزائر تعتبر عدوا تاريخيا مشتركا مع المغرب.

وصدق الله العظيم حين قال (يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) الأنفال: 30، وصدق رسول الله عليه السلام حين قال: "لا يحيق المكر السيّء إلا بأهله".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق