بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 24 أبريل 2022

الفرق بين الزمـن الكوني والزمن القدساني (2/1)


" الزمن الكوني نهر جاري في اتجاه محدّد لا رجعة فيه"

تمهيـــد

لكل نتيجة مقدمة، ولكل ظاهرة سبب.. ولأن الكون خُلق من عدم بالتعبير الفلسفي، أو من لا شيء بالتعبير القرآني، فإن الزمن ظهر بظهور المكان فجاء كنتيجة حتميّة لحركة الكواكب والأجرام، وبالتالي، فمعرفة الزمن تحتم علينا معرفة الكون ابتداء، غير أنه وبرغم التقدم الكبير الذي حققه العلم في مجال فيزياء الكوسموس، إلا أن قوانين العلم تتعطل كلما تعلق الأمر بتحديد أصل الكون لمعرفة الفرق بين الزمن الكوني المُحدث، والزمن القدساني المعبر عنه بالسرمدية أو المدى اللامتناهي.. لذلك، ستبقى الحاجة قائمة إلى التفسيرات التي يعطيها الدين، ما يعزز الاعتقاد بوجود الخالق.../...

نشأة الكون بين نظرية "الانفجار العظيم" ونظرية "الانكماش الكبير"

لقد أصبحنا نعرف اليوم بيقين، انطلاقا من نظرية "الكم" ونظرية "النسبية العامة"، مرورا بنظرية "الثقوب السوداء" التي تعتبر مقابر للنجوم والكواكب، ونظرية "الانفجار العظيم" التي أدت إلى نشأة الكون وتمدّده بقوة العصف، ونظرية التاريخ الموجز للزمن" لتي أكدت أن الزمن ما هو إلا ظاهرة وهمية.. وانتهاء بنظرية "الانكماش الكبير" أو ما يسمى في علم الفيزياء بنظرية "الارتداد العظيم"، وهي آخر ما يبحثه العلماء في علم الكوسموس اليوم، ومفادها أن الكون ليس له حدود ندركها، لكننا نعلم يقينا أن له بداية، وستكون له نهاية أيضا تُبدّل بعدها الأرض غير الأرض والسماوات لإيذانا بقيامة البعث كما يؤكد القرآن ذلك.

وقد اختلف العلماء حول أصل هذه البداية بين قائل بأن الكون كان مسحوقا داخل كرة من الطاقة الهائلة حجمها أصغر من الذرّة انفجرت فتولّد عنها الكون، وبين قائل بأن الكون الحالي وُلد من ارتداد كبير حدث بعد انهيار كون بدائي سابق، وأن انفجاره القوي هو الذي أدّى إلى تمدده واتساعه بشكل يستحيل على رياضيات الفيزياء قياسه بسبب شساعته الهائلة. 

وإلى الآن لا زالت التجارب الفيزيائية تجرى في جامعة هارفارد المرموقة لإثبات نظرية "الارتداد الكبير"، لكن دون التوصّل إلى نتيجة حاسمة لعدم العثور على جسيمات ضخمة تتأرجح في أرجاء الكون وفق ترددات منتظمة مثل بندول الساعة، لتظل النظرية وحتى إثبات العكس من مجال الفرضيات العلمية، هذا مع الإشارة إلى أن هناك من العلماء من يعتقد جازما أن الكون نتج من "انكماش كبير" لكون سابق، وهو الأمر الذي لا يمكن أن تؤكده إلا نتائج دراسة "الثقوب السوداء" بسبب ما قد يكتشف فيها من آثار تعود لكون سابق آخر اندثر، ما دامت هذه الثقوب تعتبر مقبرة النجوم والأجرام وفق ما هو معلوم. 

ولعل نظرية "نهاية الكون" القرآنية قد تساعد في معرفة كيف نشأ الكون أول مرّة، وتُرجّح إلى حد ما نظرية الانكماش العظيم لكون سابق وجد قبل الكون الذي نعرفه، خصوصا وأن الله يتكلم في القرآن الكريم عن تبدل الأرض غير الأرض والسماوات، ولأن سنن وقوانين الله في الخلق لا تتبدل ولا تتغير، ما يعني أن الجنة والنار ستولدان من هذا الكون بعد انكماشه.

وما يؤكد ذلك، أن نهاية الكون، وفق ما يقول العلم والدين، ستكون بفعل تقلص درجات الحرارة في الأرض والنجوم والأجرام وانكماشها لقوله تعالى بالنسبة للأرض: (إذا زلزلت الأرض زلزالها * وأخرجت الأرض أثقالها * وقال الإنسان مالها * يومئذ تحدّث أخبارها * بأن ربّك أوحى لها) الزلزلة: من 1 إلى 5. ومن علامات النهاية خفوت الشمس وتحوّلها إلى كوكب أحمر في الوقت المُقدّر لها، ما سيؤدي إلى انخفاض قوة الجاذبية المؤثرة في دورانها ومسارها، لقوله تعالى: (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم) يس: 38، لينتهي الأمر بانفجار عظيم نتيجة التصادم بحكم انخفاض الجاذبية التي تنظم دوران الكواكب والأجرام حول الشمس في درب التبانة، فتتحوّل بالتالي إلى غبار تبتلعه الثقوب السوداء، وسيحدث حتما نفس الأمر في السماوات الأخرى وفق ما يؤكده الدين، لقوله تعالى: (يوم تبدل الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد اقهار) إبراهيم: 48 ما يعني أن الانفجار سيشمل الكون كله وليس السماء الأولى فحسب ليتولد منه عالم جديد وحياة جديدة عرّفها القرآن بأنها الحياة الآخرة. هذه الحقيقة القرآنية تؤكد حتى إثبات العكس، رجاحة نظرية "الانكماش العظيم"، خصوصا إذا علمنا أن الله ليس له بداية ولا نهاية لأنه هو الأول والآخر والظاهر والباطن كما يقول عن نفسه، وهذا يعني أن الله لا يحده مكان ولا يسري عليه زمان، وبالتالي، فمعرفتنا به لا تفيد أنه لم يكن موجودا من قبل، بل تؤكد فقط أننا كنا جاهلين بحقيقة كيف كان هو قبل أن نكون نحن، أو بمعنى أدق، تؤكد مدى محدودية علمنا القليل مقارنة بعلم الله العظيم.

أما قوله تعالى في الآية السالفة الذكر أن الشمس تجري لمستقر لها، فالمراد به المستقر الزماني لا المكاني، لما يعنيه ذلك من نهاية حركة الشمس وسكونها إيذانا بانفجارها لينتهي الزمن الكوني وينتقل الإنسان للعيش الأبدية في الزمن القدساني، أي للغاية النهائية التي خلق الإنسان من أجلها.

وتؤكد الدراسات الفلكية الحديثة أن الشمس غير ثابتة في مدارها حول مركز مجرة درب التبانة، حيث تتحرك بشكل مُتعرّج وبسرعة وُصفت بالجريان، أي بشكل غير مستقيم وفيه اهتزاز يشبه إلى حد ما الشكل اللّولبي، وهو التعبير العلمي الدقيق لوصف حركة الشمس بالجريان، وهو ذات التعبير القرآني كما ورد في الآية 38 من سورة يس المذكورة أعلاه.

ويشار إلى أنه بالنسبة للحظة الأولى التي تشكل فيها الكون، يكون العلم قد أجاب عن سؤال "مفهوم الكون" بإعادة عقارب الزمن إلى اللحظة الأولى التي وقع فيها الانفجار العظيم، لكنه لم يستطع الجواب عمّا حدث قبل ذلك بثواني، أي قبل لحظة "H" التي انطلقت منها حركة الكوسموس فتولّد الزمن الكوني الحالي، بغض النظر إن كان هناك قبل ذلك كون سابق اندثر بفعل الانكماش الكبير أم لا، ما دام العلم لم يستطع أن يثبت بعد وجود آثار لكون قديم مندثر من المخلفات العالقة بالثقوب السوداء.

بهذا المعنى، يتّفق العلم والدين على أن الكون الحالي محدث وليس بأزلي، وبالتالي فهو مخلوق ولا يمكن أن يكون جزءا من الله كما تدّعي نظرية وحدة الوجود نظرا لطبيعة الله السرمدية، وما دام العلم والدين يقولان بأن الكون خُلق خلقا من ثقب أسود، وأنه (أي الكون) كان عبارة عن هباء يسبح في عماء كما وصفه الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، أي كثلة من غبار ودخان تسبح في الظلام كما يشير القرآن إلى ذلك بقوله تعالى: (الفجر * وليال عشر* والشفع والوثر) الفجر:1 – 2 – 3. ومعنى ذلك، أن بزوغ "الفجر" جاء نتيجة الانفجار الكوني العظيم الذي ظهر عقبه الكون الأول. و"ليال عشر"  تشير إلى المراحل العشرة في الظلمات التي مرت منها المادة المشكلة له إلى أن أصبحت شفافة للضوء فأشرقت السماوات والأرض بنور ربها. أما الشفع والوثر فقد فُسّرا علميّا باعتبارهما أول العناصر المكونة للوجود المادي للكون (الأكسيجين والهيدروجين). فالانفجار العظيم نتج عن قوة الهيدروجين (الوثر: وحيد الذرة) وهو الذي تحوّل بحكم الإنفجار إلى هليوم. أما تلاحم الهيدروجين مع الأكسيجين (الشفع: ثنائي الذرة) فتولد عنه الماء الذي هو أصل كل شيئ حي (H2O) كما يؤكد العلم والدين ذلك. 

لذلك قال تعالى (وكان عرشه على الماء)، فإذا أوّل "العرش" إلى "الأمر" الذي هو من مقتضيات الحاكمية المطلقة يصبح المعنى كالتالي: أن أمر الله كان على هاتين المادتين الحيوييتن اللتان تولّد من اندماجهما الماء ففسح المجال لظهور الحياة باختلاف أشكالها على الأرض، وربما في مدارت أخرى غير درب التبانة لا نعلم عنها بعد شيئا، وقد أشار إليها القرآن الكريم بقوله: (ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) الشورى: 29. فالبث جاء هنا بمعنى  التفريق، يقال لغة: بث الريح التراب إذا أثاره، أما الدابة فتفيد كل ما يدب في السماوات وعلى الأرض فمن مخلوقات. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى القول إن المقصود بدواب السماوات هم الملائكة، وهو تفسير مجانب للصواب من حيث المنطق العقلي نظرا لأن الملائكة لا تمشي في السماوات بل تطير بدليل أن الله تعالى وهبها أجنحة مثنى وثلاثة ورباعة كما يؤكد القرآن. أما قوله تعالى: (وهو على جمعهم إذا يشاء قدير)، ففسرها البعض على أن هذا الجمع جاء مقابل البث الوراد في مطلع الآية، ويقصد به المحشر، لكن مثل هذا المعنى لا يستقيم إذا علمنا أن البعث وجمع الناس يوم المحشر قضاء مبرم من الله لا راد له، في حين أن الجمع المذكور في آخر الآية جاء مقرونا بالمشيئة التي هي من تقدير الله تعالى، ومعلوم أن القدر هو غير القضاء، لأن القدر يخضع للتغيير المشروط بالأخذ بالأسباب، فيما القضاء لا يتبدّل ولا يتغيّر بالمطلق. وبذلك، يكون المقصود بالآية جمع الدوام بسلطان العلم الذي هو من أسباب اختراق الحواجز التي تفصل بين العوالم السبعة الموازية، ما يتطلب السفر في الكوسموس عبر الأزمنة المختلفة، الأمر الذي يقودنا حكما للحديث عن مفهوم الزمن الكوني.

مفهوم الزمن الكوني

اختلف مفهوم الزمن من عصر لآخر بين تعريف الفلاسفة وتحديد علماء الفيزياء.. فقد اعتبرته الفلسفة القديمة زمن أرسطو بطيء وسريع يتغيّر بتغيّر الحركة لارتباطه بها، وتم تقسيمه إلى ماضي ومستقبل واعتبار "الآن" المعبّر عنها بـ "الوقت" أو "الحاضر" مجرد فاصلة تربط بين زمنين (ماضي ومستقبل) ليصبح زمنا واحدا متصلا دون احتساب الفاصلة المذكورة كجزء من الزمن. 

هذا فيما عارض الفلاسفة زمن الأندلس تعريف أرسطو وشروح تلامذته حول الزمن، معتبرين أن الزمن ظاهرة وهمية لمظاهر التغيّر والأحداث الذريّة المُتجدّدة باستمرار، حيث رفض ابن رشد في "تهافت التهافت" دحض مبدأ السببية لما ينطوي عليه من رفض للعقل، مؤكدا أن الخالد (الله) كان بلا زمان وأن العالم ما هو إلا نتيجة للزمان المستمر بما يعنيه ذلك من "خلق"، وهو ما أكده من بعده الفيلسوف الأندلسي اليهودي موسى بن ميمون في كتابه "دلالات الحائرين" بقوله: "إن الزمن خُلق خلقا، ذلك أن كلاّ من الكرة السماوية والحركة التي يعتمد الزمان عليها مخلوقتان" بنص قوله. 

أما في الفلسفة الحديثة، فقد ربط "ليبنتز" بين مفهوم الزمن ومُحدّدات المكان، وهما مفهومين مرتبطين بالحدوث (الخلق)، والديمومة (الاستمرارية)، والامتداد الذهني (التصور العقلي)، لما لهذا الأخير من تأثير على الإدراك البشري.

والحقيقة أنه وبخلاف ما قال به نيوتن الذي اعتبر الزمن كشيء كوني مطلق وهو ليس كذلك، نفى العلم الحديث أن يتسم الزمن بالإطلاق، بل اعتبره واحد من مكونات المسرح الكوني حيث تجري جميع الأحداث، وأن كل حدث يشكل جملة فيزيائية خاصة. ومن هذا المنطلق اعتبرت النظرية النسبية الخاصّة أن لكل جملة فيزيائية زمن خاصّ بها يختلف عن زمن أيّ جملة فيزيائية أخرى.  

وبهذا المعنى، تكون النظرية النسبيّة الخاصة قد عرّفت الزمن باعتباره بعدا فيزيائيا رابعا للمكان، لكنه لا يتعدّى كونه وسيلة لتحديد كرونولوجيا الأحداث وفق ترتيب وقوعها، وهو أمر محسوس ذهنيّا يمكن قياسه وتخمينه برغم صعوبة تعريفه بشكل دقيق.

وعلى هذا الأساس من النسبية، يكون الزمن الكوني في مجرة درب التبانة على سبيل المثال، مفهوم نسبي محكوم بالحركة وبما نلحظه من الموقع الذي نحن فيه، وبالتالي، فالزمن الأرضي هو غير الزمن في الكواكب الأخرى، حيث يختلف اليوم من كوكب إلى آخر حسب حجم الكوكب وسرعة دورانه حول نفسه وحول الشمس في السماء الأولى المسماة فيزيائيا بـ "درب التبانة".

وعلى هذا الأساس، فاليوم بالتعريف العلمي هو مقدار الوقت الذي يستغرقه الكوكب لإتمام دورة كاملة حول محوره. ومعلوم أنه بالنسبة للأرض فإن اليوم يعادل 23 ساعة و56 دقيقة بالضبط، لكن الكواكب الأخرى تدور بمعدلات مختلفة عن دوران الأرض، فالقمر مثلا يدور حول محوره دورة كاملة كل 29.5 يوم، وهذا يعني أن النهار على سطح القمر يستمر لمدة 14 يوم متصلة والليل يدوم نفس الفترة تقريبًا. ويقيس العلماء طول الأيام على الكواكب الأخرى مقارنة باليوم على الأرض فيظهر أن اليوم على هذه الكواكب يختلف عنه على الأرض، ذلك أن اليوم بالقياسات العلمية هو الفترة التي يتم فيها الكوكب دورة كاملة ويحدث خلالها نهار وليل بفعل انعكاس ضوء الشمس، ولو شمل هذا الانعكاس الكوكب ككل لكان هناك فقط نهار من غير ليل، وهو أمر مستحيل نظرا للشكل الدائري للكواكب بحكم الدوران، فسبحان الله بديع السماوات والأرض. 

ولتوضيح الفروقات بين اليوم الأرضي واليوم في بقية كواكب المجموعة الشمسية، وضع العلماء الجدول التالي:

* الأرض 23 ساعة، 56 دقيقة

* عطار 58.6 يوم أرضي

* الزهرة 243 يوم أرضي

* المريخ 24 ساعة، 37 دقيقة

المشتري 9 ساعات، 55 دقيقة

* زحل 10 ساعات، 33 دقيقة

* أورانوس 17 ساعة، 14 دقيقة

* نبتون 15 ساعة، 57 دقيقة

* بلوتو 6.4 أيام الأرض


هذا بالنسبة للمجموعة الشمسية فما بالك بالنسبة للمجرات الأخرى؟.. 

ولأن الله لا يحدّه مكان ولا يجري عليه زمان فهو خارج عن كل معادلة فزيائية. لذلك وضع أينشتاين نظرية افتراضية تقول: "لو أن الإنسان وقف في اللامكان فوق قبة الكون حيث لا توجد حركة لانتفى الزمن بالنسبة له"، والحديث هنا عن حدود الكون، ما يعني أن الزمن ليس لا نهائي، ولا سرمدي، وأن له حدود مرتبطة بالمكان تنتهي بنهايته، وعلى هذا الأساس فالله لا يمكن أن يكون هو الكون من عرشه إلى فرشه كما تزعم نظرية وحدة الوجود بسبب استحالة احتواء المحدود للكائن اللامحدود، ولا هو جزء منه أيضا كما تقول بعض المعتقدات اليهودية والمسيحية، بل هو خالقه، ومُؤثّر فيه، ومُحيط به من كل جهة، لذلك قال عن نفسه أنه بكل شيء مُحيط، وأنه رب المشرقين والمغربين، وأن الإنسان أينما وجّه وجهه فتمّ وجه الله، لأنه معنا أينما كنا، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، لا يحده مكان ولا يسري عليه زمان ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار كما قال عن نفسه... وكل هذه الأوصاف وغيرها مما ورد في القرآن الكريم هي كناية عن النور الكامن في كل مكان بما في ذلك ما نعتقد أنه ظلام وفق ما تؤكد نظرية "الظلام المنير" التي تشير إلى وجود عالمين: عالم البشر وعالم موازي له لا نراه ولا نعرف عنه شيئا إلا ما نذر. والنور كما هو معلوم علميّا هو العامل المولّد للمادة والمحوّل لها إلى ما لا نهاية دون أن تفنى لتخرج من الوجود. 

أما علماء الدين فتحدثوا قبل أينشتاين عن الزمن الأرضي والزمن الكوني ملاحظين الفروق بينهما، لكن من دون أن يتوصّلوا إلى حسابات دقيقة لهذه الأزمنة المختلفة باستثناء ما يتعلق بالزمن الأرضي المعاش.

وبالعودة إلى القرآن الكريم، هناك آيتان عجيبتان تتحدثان عن الزمن الكوني قياسا بالزمن الأرضي:

- الآية الأولى تقول: (يُدبٌر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) السجدة: 5. ومعنى الآية، أن المسافة الزمنية الكونية التي يقطعها الأمر الإلهي في يوم كوني تساوي في الحد والمقدار المسافة التي يقطعها القمر في مداره حول الأرض في زمن قدره ألف سنة قمرية، لأن قوله: (مما تعدون)، تشير إلى السماء الدنيا، أي الزمن في مجرة درب التبانة المُشاهد لنا اليوم بالمناظير الفكية الدقيقة والخاضعة لقياساتنا الفيزيائية. وقد قام أحد العلماء المسلمين في جامعة عين شمس بمصر، بحل هذه المعادلة القرآنية الأولى، فوصل إلى نتيجة مفادها، أن سرعة انتقال الأمر من السماء إلى الأرض وفق قياس سرعة الضوء الثابتة كما حددها العالم أينشتاين هي: 699.796٫5 كلم في الثانية. 

- الآية الثانية تتحدث عن الزمن الكوني فتقول: (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) المعارج: 4. وواضح أن الآية تتحدث عن سرعة انتقال الروح والملائكة بين الأرض والملأ الأعلى، وقد قدّرها تعالى بـ 50 مرة سرعة الضوء التي ينتقل به الأمر كما ورد في الآية الأولى. وعليه، تكون سرعة انتقال الروح والملائكة وفق المعادلة التالية: 299.792٫5 × 50 كلم في الثانية، وبالنتيجة سنحصل على أرقام فلكية يصعب على العقل البشري استيعابها.

وواضح أن الآيتين وإن كانتا تتحدثان عن الزمن الكوني بالمفهوم النسبي، إلا أنهما تشيران بوضوح إلى تداخل الزمن القدساني المطلق في الزمن الكوني، من خلال تدخل الله في صناعة الأحداث أو ما يسمى بـ "الفواصل الفيزيائية" من خلال الأوامر التي يصدرها للملائكة ولم يشاء من خلقه. وبذلك يحافظ على التوازن القائم في الكون إلى أن تحين الساعة فيبدل الأرض غير الأرض والسماوات غير السماوات إيذانا بالبعث.

يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق