بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 28 أبريل 2022

اسم الله الأعظم..

 


"من عرف نفسه فقد عرف ربه"

اقترب موعد انتهاء رمضان الحبيب، وقد نبكي على فراق الأحبة، لكن البكاء على انتهاء شهر رمضان إحساس لا يشعر به إلا من أحبوا الله فأحبّهم.. فرمضان يعتبر بحق جنة المؤمن يعيش في نعيمها مرة كل سنة، وهو مناسبة يطهر فيها العبد روحه من أوساخ المعاصي، والنفس من غبار المذنوب، والقلب من عتمات الظلام، والعقل مما ترسب فيه من أخطاء.. فيرقى في درجات الكمال كلما اتّقد عشقه واشتدّ شوقه وقاده توقه إلى الله مُلبّيا دعوة آدم للعودة إلى الجنة.../...

لهذا السبب قال الرسول عليه السلام "الصوم جنّة"، لكن فهم ذلك وحده لا يكفي إذا لم يكن الفهم مقترنا بالشعور الناجم عن التجربة.. ومعنى المعنى أن تكون قد عشت في رمضان نعيم الجنة وأحسست بعذوبة الحياة فيها حرا طليقا في كنف الله.. هذا الشعور لا ينتاب إلا من عشقوا الله بصدق فأحبهم بعمق.. إنه شعور لا يوصف بالكلمات ما دامت كل لغات العالم قاصرة عن التعبير عما يخالج النفس من إحساس نتذوّق روعته دون أن نستطيع وصفه.. تماما مثل العسل الذي قد تتذوّق طعمه بلسانك لكنك لن تستطيع وصف حلاوته بكلماتك..

كل كلمة لا تتحول إلى إحساس تفقد قيمتها ومعناها.. ولهذا السبب قال الله تعالى أنه في البدأ كانت "كلمة"، بها أوجد الوجود كله من عرشه إلى فرشه حين حوّل أمر "كن" إلى "يكون".. من هنا يفهم كيف أن الله كان ظاهرا لنفسه قبل الخلق وبفضل الكلمة أصبح باطنا والخلق ظاهر..

أما السّرّ في ذلك فقد كشفه تعالى لنبيّه داود عليه السلام حين سأله "لماذا خلقت الخلق؟".. فقال له: (يا داوود، لقد خلقت السماوات والأرض فلم تسعني ووسعني قلب عبدي).. وهذا يعني أن من لا يشعر بأن قلبه عرش للرحمان لا يمكنه أن يشعر بحلاوة الإيمان.. وحده المؤمن الحقيقي يدرك أن الله جمال ومحبة، ومن لا يشعر بالمحبة لا يمكنه أن يعرف الله ولا أن يتذوق روعة جماله في خلقه.. هذا هو ميزان معرفة المؤمن من المنافق والصادق من الكاذب لمن أراد أن يرى الأشياء كما هي بنور الله لا كما قد تبدو للعيان بشكل مخادع.

لدينا مثال آخر.. لقد سأل العرب نبي الله محمد عليه السلام عن الله أين كان قبل الخلق؟.. فقال: "كان ولا شيء معه". وحين سألوه كيف هو الآن؟ قال: "هو الآن كما كان لا يزال". ومعنى المعنى أن الله كان ظاهرا لنفسه قبل الخلق وأصبح باطنا بعده، لكنه كما كان لا يزال والكثرة وهم، ما دام كان إلها ولا يزال، وما تغيّر في الحقيقة أنه لم يصبح ربّا إلا بعدما خلق الخلق ولم يكن كذلك قبل ذلك، لأنه من البديهي ألاّ يكون الرب ربا من دون وجود المربوب.. وهذا هو الفرق بين مفهوم الألوهية ومفهوم الربوبية الذي لم يفهمه فقهاء القشور فخلطوا بينهما.

ولفهم الفرق بين المفهومين بالعمق المطلوب لدينا مثال يقول.. لا أحد يستطيع أن يتوجّه إلى الله بكل أسمائه وصفاته لأن الأحادية تلغيه، فكلّ يعبد ربه حسب الحاجة التي لديه عنده، فالفقير يتوجه لله الغني، والمحتاج لله الرّزّاق، والتائب لله الغفّار، والضعيف لله القوي العزيز، والمريض لله الشافي، والمظلوم لله العادل... وهكذا إلى آخر الأسماء والصفات، لكن وكما سبق القول، يستحيل أن يتوجّه العبد مهما بلغ علمه وارتقى في إيمانه إلى الله بكل أسمائه وصفاته، هذا مستحيل، وهذه هي الأحادية بمفهومها الدقيق والعميق، وهذا هو معنى أن الله هو "الواحد الكثير والكثير الواحد". 

وخلاصة الكلام أنه إذا لم تتحوّل الكلمة إلى فعل فهذا يعني أنها لم تصدر من قلب صادق بل فقط من لسان مراوغ، لذلك لن ينجح الإنسان في معرفة نفسه من خلال هذا النوع من التصرف، خصوصا والرسول يقول: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

 فلماذا لا يستفيد الإنسان من الصفات الفاعلة التي وهبه الله في حدود القدرة التي متّعه بها لخدمة مشيئته؟.. علما أن الإنسان يتمتع بكل أسماء وصفات الله تعالى وإن بشكل محدود في حين أنها مطلقة بالنسبة لله باستثناء اسم النور الذي خص به نفسه (سورة النور: 35) ولم يذكره تعالى كإسم لأي من مخلوقاته، بل ذكره فقط كصفة لكتبه (التوراة والإنجيل والقرآن)، وللقمر، ولرسوله الأعظم عليه السلام حيث وصفه بالسراج المنير. 

إذا عرفت هذا عرفت سر الأسرار واهتديت لاسم الله الأعظم. 


هناك تعليقان (2):

  1. وان عرف اسم الله .كيف يتحول الى سلوك.

    ردحذف
  2. باتباع ما أوحى الله لنا في التنزيل باعتباره منهج حياة وقيم أخلاقية كونية

    ردحذف