بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 17 أبريل 2022

ما حقيقة الحق التاريخي والديني لليهود في فلسطين؟..


المناسبـــة والسيـــاق

بمناسبة هجمات التدنيس الشرشة التي يقوم بها المتطرفون الصهاينة بين الحين والآخر للمسجد الأقصى المبارك بهدف هدمه وإقامة هيكل سليمان مكانه.. وفي سياق حملة التطبيع المذلة التي انخرط فيها عديد الزعماء العرب والمسلمين الذين باعوا آخرتهم بدنياهم حين فرطوا في مقدسات الأمة وأداروا ظهورهم لقضايا شعوبهم المحقة وقبلوا بأن يتحوّلوا لمجرد أدوات وضيعة في يد القوى الصهيو-أطلسية التي تعمل على تصفية القضية الفلسطينية بزعم "حق اليهود التاريخي والديني في أرض الميعاد".. وفي ظل الحروب والصراعات التي تعصف بالعالم العربي وتهدد بتشويه دينه، وتبخيس قيمه، ومحو تاريخه، وطمس هويته، لتقسيم أوطانه وتمزيق مجتمعاته.../... 

في هذه الظروف المعقدة والحساسة من تاريخ الأمة، وكنتيجة طبيعية لأزمة الثقافة المفتعلة واستغلال الدين في السياسة من قبل الأنظمة الفاسدة والحركات الإسلامية الانتهازية.. وتحضيرا للرأي العام العربي والإسلامي لتقبل ما يسمى بحق اليهود التاريخي والديني في أرض فلسطين، والذي هو أبعد ما يكون عن الحق والحقانية باعتباره ظاهرة اغتصاب جليّة أنتجها منطق القوة، سيكون من المفيد إلقاء الضوء على زيف هذا الادعاء الذي يروج باسم الواقعية لحق اليهود التاريخي والديني في أرض فلسطين المقدسة.


أولا: من حيث الحق التاريخي

هذا الادعاء، يستند إلى مقولة أن أجداد اليهود سكنوا فلسطين قديما، لكن من يروجون له لا يذكرون إن كانت فلسطين حينها أرضا خلاء بلا شعب أم كانت تقطنها شعوب أخرى انحدر من صلبها شعب العمالقة الذي ارتبط إسمه اليوم باسم أرضه.

يذكر التاريخ الذي لم يستطع اليهود تزويره كما فعلوا مع الهولوكوست، أن فلسطين التي هي جزء من أرض الشام كان يقطنها شعب كنعان، والكنعانيون هم في الأصل قبائل عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية وأرض نجد والحجاز واليمن هربا من القحط والجفاف الكبيرين اللذان ضربا المنطقة قبل حالي  3500  سنة، وانصهروا مع قوميات أخرى في بلاد الشام كالفينيقيين و اليبوسيين والآراميين والآشوريين والبابليين والهكسوس، وقد سجل التاريخ حروبا ضروس دارت بينهم وبين الغزاة العبرانيين والفراعنة والبابليين والفرس والرومان والصليبين فالأتراك وبعدهم الإنجليز الذين سمحوا لليهود الصهاينة بإقامة دولتهم الهمجية على أرض عربية.

ويذكر التاريخ أيضا، أن العبرانيين سمو بهذا الاسم نسبة إلى “عابر” أحد أجداد إبراهيم الخليل عليه السلام من ذرية سام، وهم عراقيون عبروا نهر الفرات إلى فلسطين في القرن العشرين قبل الميلاد، وعرفوا بـ“الخابرو" الذين اشتغلوا كصناع تقليديين وجنود وعبيد لدى الملوك الكنعانيين.

أما القدس الشريف، فتذكر الروايات التاريخية أن من بنى المدينة هو ملك عربي يدعى ‘سالم' وكانت تسمى “أور شليم“، أي “مدينة سليم“، لأن ‘أور' تعني المدينة  و ‘شليم' هو اسم الملك الذي أسّسها، حيث ‘السين‘ كانت تنطق ‘شينا' في اللغة الأرامية القديمة.

وفي عهد نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام الذي لم يكن يهوديا ولا نصرانيا كما زعم أهل الكتاب بل حنيفا مسلما كما يؤكد القرآن الكريم.. كانت فلسطين يحكمها ملك عربي يدعى ‘ملكي صادق‘، توّجته الممالك المحيطة بفلسطين باسم “ملك الملوك“، وزاره نبي الله إبراهيم بعد أن سمع أنه من الموحدين يتمتع بدماثة الخلق والاستقامة، لدرجة جعلت الملوك العشرة في المنطقة يسمونه بـ“ملك البر" و "سيد العدل“، وخلال الزيارة قدم لنبي الله إبراهيم الخبز وعصير العنب دليلا على حبه وإكراما لمقامه.

وكان احتلال العبرانيين لفلسطين عسكريًا زمن يشوع بن نون الذي تولى قيادتهم اثر وفاة موسى عليه السلام قبل دخوله أرض فلسطين وهو يعبر نهر النيل بشعبه هربا من فرعون وجنوده. وبعد انتصاره واحتلاله لفلسطين قسّمها بين الأسباط الاثني عشر أبناء يعقوب المسمى بإسرائيل ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام.  وظهر لأول مرة نظام القضاة في فلسطين وعددهم أربعة عشر قاضيًا، وكان ‘صاموئيل' آخرهم وقد نصّب ملكا على العبرانيين من قبل ‘شاول'.

و‘شاول' هو أول ملك عبراني، وبه بدأ تنظيم المملكة العبرانية في فلسطين، حيث اتسعت حدودها وازدهر شعبها في زمانه وزمن داوود وسليمان عليهما السلام. لكن هذا الإزدهار لم يدم إلا عشرات السنين فقط، حيث انقسمت المملكة في القرن العاشر قبل الميلاد بعد موت سليمان عليه السلام، فعاد اليهود إلى معتقداتهم الوثنية القديمة، ونشبت الحروب بين المملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال ومملكة يهوذا في الجنوب، فوضعفت قواهما ووهنتا، وطمعت فيهما الشعوب المجاورة، وأخذت تقضم من حدودهما، إلى أن انقضّت أركانهما، فسبي أهل مملكة الشمال سنة721  قبل الميلاد إلى مدينة بابل العراقي مسقط رأس نبي الله إبراهيم الخليل عليه السلام.

ومن هذه الواقعة بالتحديد جاء مصطلح “السّبي" الذي يدّعي اليهود أنه كان السبب في إخراجهم من أرض أجدادهم التاريخية وطردهم لبلادهم الأصلية بابل العراقية، في حين أن لا علاقة لهم بفلسطين إلا كقوات غازية محتلة.

ولسوء حظ اليهود، أن التوراة تذكر هذه الحقائق حول الشعوب التي استوطنت فلسطين في الأزمنة الغابرة بأسمائها، وتذكر أيضا المعارك التي خاضتها ضد العبرانيين الغازين، ولا يزال أبناء تلك الشعوب يقيمون في فلسطين ولم يغادروها إلى يوم الناس هذا، بل من غادرها هم بنو “إسرائيل" الذين لم يبقى من نسلهم اليوم أحدا بشهادة مؤرخين يهود موضوعيين.

أما ما يسمى بـ“الشعب اليهودي"  الحالي، فهو عبارة عن تركيبة هجينة مكوّنة من قوميات مختلفة لا علاقة لها بذرية يعقوب عليه السلام والمسمى بإسرائيل عند اليهود، ولا يملك يهود اليوم في العالم أجمع دليلا واحدا يؤكد انتسابهم لأجدادهم المزعومين في فلسطين المحتلة، ومعلوم أن من استقدموا إليها من كل أصقاع الأرض بعد الاحتلال عام 1948 هم شرذمة من القوميات والأجناس والملل والنحل التي لا علاقة لهم بفلسطين من قريب أو بعيد ليكون لهم حق تاريخي فيها باسم حق قومي ابتدعته الصهيونية العلمانية زمن ‘هرتزل' كما هو معلوم، مستغلة العامل الديني لتقوية الوازع القومي من خلال الترويج لعودة مملكة داود وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الحرام تمهيدا لعودة المسيح عليه السلام ليخلص اليهود والمسيحيين المتطرفين من أعدائهم المسلمين.

ومصدر هذه البدعة مقولة ‘هرتزل'  الكاذبة التي زعم فيها أن “اليهود بقوا شعبا واحدا وعرقا متميزا، وإن قوميتهم الفريدة لا يمكن ولن، ويجب أن لا تتقوّض، لذلك لا يوجد غير حل واحد فقط للمسألة اليهودية، وهي الدولة اليهودية" (الصهيونية والعنصرية 1 / 24).

وبذلك أصبح اليهودي العربي، واليهودي الكردي، واليهودي الفارسي، واليهودي الحبشي، واليهودي  الأوروبي والروسي والصيني وغيره… ينتمي إلى قومية واحدة ضدا في تعريف القومية التي تفيد الجنسية في التعريف القديم والوطنية في التعريف الحديث.

لكن قمة الافتراء تجلى في زعمهم أنهم عرق نقي لم يختلط بأعراق أخرى، وها هي التوراة تكذبهم بالقول: "سكن بنو إسرائيل وسط الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين، واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء، وأعطوا بناتهم لبنيهم، وعبدوا آلهتهم" ( الإصحاح 5 – 6 / 3).

والتوراة بدورها لا تستثني أنبياءهم أيضا، حيث تذكر أنهم “تزوجوا من نساء أجنبيات فـاختلط الزرع المقدس“، الأمر الذي قضى نهائيا على أسطورة “نقاء العرق اليهودي". ومعلوم أن الديانة اليهودية كانت قد انتشرت في الأزمنة الغابرة في العراق ومصر والشام واليمن وشبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا والصومال وإثيوبيا وآسيا، فاختلط النسل وتداخلت الأمم بسبب أن اليهود ظلوا ينشرون ديانتهم ويتزوجون من نساء الشعوب التي يعيشون معها ويزوجون بناتهم لأبنائها طوال عشرين قرنا قبل مقدم المسيح عليه السلام ليبدأ عصر التبشير المسيحي.

فعن أي شعب يهودي نقي العرق يتحدث هرتزل وغيره من اليهود المفترين؟.. 

هذه أكبر كذبة أطلقها الصهاينة وصدقها الجهلة والأغبياء.. يقول عالم الإنتربولوجيا ‘أوجين بتار'  أستاذ الأجناس بجامعة جنيف: "إن اليهود عبارة عن طائفة دينية، اجتماعية، انضم إليهم في جميع العصور أشخاص من أجناس شتى، جاؤوا من جميع الآفاق، منهم الفلاشة سكان الحبشة، ومنهم الألمان ذوي الشحنة الجرمانية، ومنهم التامل السود في الهند، والخزر من الجنس التركي، ومن المستحيل أن نتصور أن اليهود ذوي الشعر الأشقر الكستنائي والعيون الصافية اللون، الذين نلقاهم في أوروبا الوسطى، يمتون بصلة القرابة – قرابة الدم – إلى أولئك الإسرائيليين القدماء، الذين كانوا يعيشون بجانب نهر الأردن". (اليهود والتحالف مع الأقوياء – د. نعمام عبد الرزاق السامرائي ص: 151 – 152).

ويذهب الكاتب اليهودي ‘إبراهام ليون' لأبعد من ذلك حين يقول: "إن اليهود يشكلون في حقيقة الأمر خليطا عرقيا متنافرا، والسبب الرئيس في ذلك هو طابع التشتت الملازم لليهودية، وحتى في فلسطين كان اليهود بعيدين عن تشكيل عرق صاف" (الماركسية والدولة الصهيونية – أديب ديمتري– ص: 32).

وبالتالي، فإذا كان لكل من يدعي انتسابه لشعب قديم وأرض معينة الحق في العودة إليها، فعلى الأمم المتحدة أن تعيد هندسة سكان العالم من جديد، وحينها لن يبقى شعب في مكانه ولا وطن على حاله، وهذا هو عين العبث.

ثانيا: من حيث الحق الديني

هذا الزعم، يستند إلى نصوص دينية وردت في التوراة تقول، بأن الله وعد إبراهيم عليه السلام بأن يعطيه وذريته أرض كنعان وما حولها.. وبموجب هذا الحق قال لليهود حسب ما ورد في التوراة: “كل شبر تطأه بطون أقدامكم أعطيه لكم"، وهذا هو االنص الذي يستند إليه الصهاينة للقول بحق اليهود الديني في فلسطين. 

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكلام تم تحريفه في التوراة بشهادة 3000  من القساوسة الذين قاموا بدراسته بتكليف من الكنيسة الكاثوليكية، حيث خلصوا إلى أن “كلام الرب قد اختلط بكلام البشر، وأن العهد المذكور قد نسخ زمن عيسى عليه السلام”  (الماركسية والدولة الصهيونية – أديب ديمتري–  ص: 147).

ويؤكد القرآن الكريم هذه الخلاصة الموضوعية الدقيقة بتوضيحه أن عهد الإمامة الذي أعطي لإبراهيم الخليل عليه السلام وورثه من نسله، جاء مشروطا بالعدل والخيرية لقوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) البقرة: 40.  والخيرية لقوله تعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون واكثرهم الفاسقون) آل عمران: 110.

ومعنى الآيتين واضح لا يحتاج إلى تفسير، لكن من يتابع مسار النشأة والتكوين في القرآن الكريم سيقف عند الخلاصة التي وصل إليها القساوسة بقولهم: “إن العهد المذكور قد نسخ زمن عيسى عليه السلام"، ومعنى ذلك، أن المسيح عليه السلام مثل مرحلة انتقالية بين العهد الذي ورثه يعقوب ودريته وانتهى بانتهاء نسل بي إسرائيل (أي بني يعقوب)، لينتقل بتبشير من المسيح عليه السلاح إلى نبي الله أحمد وآل بيته من بعده، وفق نفس الحصة الإثنا عشرية التي استفاد منها بنو إسرائيل وفق ما اقتضت الحكمة الإلهية حسب ما يؤكد ذلك علماء الشيعة الإثنا عشرية بقولهم: "إن هذا الأمر يدرك بالخلاصة الموضوعية من مسار النشأة والتكوين ومقتضى العدل الإلهي الذي تنظمه سننه في الخلق بلا تبديل ولا تغيير".

ومرد ذلك كما يؤكد القرآن الكريم، أنه سبق في علم الله العلي العظيم أن اليهود سيختلفون بعد أن جاءهم العلم من ربهم، وسينقلبون على العهد ويخلفون الوعد ويحرفون الكلام عن مواضعه، وسيعثون في الأرض إجراما وفسادا بدعوى أنهم شعب الله المختار صاحب العهد الأزلي.. فكذبهم الله تعالى بمعجزة خلق عيسى عليه السلام من غير نسلهم بنفخة إلهية مقدسة، معلنا بذلك أن العهد لا يكتسي الطابع الجيني والأزلي كما يزعمون، وأنه تعالى قرّر قطعه من نسلهم المتصل بإسحاق وزوجته سارة، والذي توارثه الأسباط أو طوائف بني إسرائيل الإثنا عشر من أحفاد يعقوب وأصغرهم نبي الله يوسف الذي عاش زمن الهكسوس في مصر، وقال عنهم النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم "كريم ابن كريم ابن كريم "، ونقل العهد بعدهم إلى نبي الله محمد من نسل إسماعيل وزوجته هاجر عليهم السلام، وكان قد بشّر بمقدمه رسول الله إلى بنو إسرائيل عيسى بن مريم عليه السلام.

وبنزع العهد منهم وإعطائه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، يكون الله قد أسقط عمليا زعم اليهود بأزلية العهد وأبديته وبخيرية شعبهم المفضل على بقية الشعوب، لأن عيسى عليه السلام لم يأتي من نسلهم كما هو معلوم، بل من روح الله الذي وضعها جبريل الأمين في بطن مريم العذراء كما أسلفنا القول، والأم هنا هي وعاء فيما النسب وفق التعريف القرآني لا يكون إلا من صلب الأب لقوله تعالى : (وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) الأعراف: 172.

شرعية العهد مشروطة بالعدل

وتجذر الإشارة بالمناسبة للأهمية، إلى أن اليهود قبل عيسى عليه السلام كانوا يتحدثون عن أبناء يعقوب الإثنا عشر فينسبون العهد للآباء، لكنهم بعد أن أدركوا أن السماء نزعت العهد منهم بمقدم المسيح عليه السلام، أصبحوا يروجون إلى أن اليهودي النقي الذي ينتمي إلى شعب الله المختار هو المنحدر من أم يهودية الدم.

ووفق هذه القاعدة المبتدعة أصبحت سارة زوجة إبراهيم الخليل عليه السلام يهودية قبل حتى ظهور مصطلح اليهودية زمن موسى عليه السلام، في حين أنها كانت عبرانية ممن عبروا مع إبراهيم الخليل من أور العراقية إلى فلسطين الكنعانية، وبذلك حاولوا نزع شرعية العهد عن ذرية إسماعيل - أول أولاد إبراهيم - عليهما السلام، لا لشيئ سوى لأن أمه هاجر كانت جارية مصرية، والرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي ورث العهد من ربه كان عربيا من نسل إسماعيل الذي أكرم الله أمه بماء زمزم وأكرمه الله ببناء الكعبة المشرفة بمعية والده، واختبر به تعالى إيمان إبراهيم الخليل أب الأنبياء والرسل حين أمره بذبح فلدة كبده، فنجح في الامتحان واستحق عهد الإمامة، فكان أمّة لوحده كما يقول تعالى، وهي التضحية العظيمة التي زورها اليهود وقالوا أن من تطوع للذبح هو إسحاق وليس إسماعيل، في حين أن إسماعيل هو أكبر أولاد إبراهيم، ومن نسله خرج إثنا عشر ولدا. ورقم إثنا عشر في القرآن الكريم له علاقة بعهد الإمامة عند أبناء وحفدة إسحاق وإسماعيل عليهم السلام جميعا، وهذا سر عظيم لا يدركه إلا العارفون المقربون الذين فتح الله بصرهم وبصيرتهم وألقى النور في روعهم.

وقد ذهب اليهود في تزوير كلام الرب مذاهب غريبة وبعيدة، حيث يذكر ‘روجي غارودي' في مؤلفه الشهير "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية“، أن اليهود يرفضون أن يكون عهد الرب مشروطا بالعدل والخيرية، مستندين في ذلك على ما جاء في “أسفار التثنية"  التي أطلق عليها غارودي “أسفار العنصرية" ما نصه: "ليس لأجل برك وعدالة قلبك تدخل لتمتلك أرضهم، بل لأجل إثم أولئك الشعوب يطردهم الرب إلهك من أمامك، ولكي يفي بالكلام الذي أقسم الرب عليه لآبائك إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فاعلم أنه ليس لأجل برّك يعطيك الرب إلهك هذه الأرض الجيدة لتمتلكها، لأنك شعب صلب الرقبة"  سفر التثنية – الإصحاح 9 - من: 5 إلى 6.  

إلى هذا الحد وصل بهم التطاول على الله وتزوير كلامه، رافضين أن يكون العهد مشروطا بالعدل والبر والخيرية، فابتدعوا نصا توراتيا يستبعد هذا الشرط من العهد، ولهذا عندما يرتكبون المجازر في حق شعوب المنطقة يُروّجون أنهم يقومون بذلك تنفيذا لأمر الرب، وأنهم بذلك فوق القانون والمحاسبة لأنهم شعب الله المختار.

- فأي رب هذا الذي يسمح لأتباعه بالظلم والعنصرية بموجب عهد لشعب اختاره وأعطاه الحق الإلهي في ارتكاب ابشع الجرائم في حق الشعوب الأخرى والسيطرة على أرضهم وطردهم منها؟.. 

- ومن يقبل من البشر عبادة هذا الرب الذي يُشرّع للعنصرية والإجرام ويحرض على القتل والذبح والسرقة والاغتصاب؟.. 

- وما الفرق بينه وبين الشيطان من حيث الدور والوظيفة؟..

- أو ليست هذه هي طبيعة “داعش" التي ينسبونها إلى الإسلام لتشويهه، بهدف ترسيخ قناعة لدى الرأي العام الغربي تقول، بأن الإسلام ليس دينا سمحا جميلا، بل إديولوجية همجية شمولية ومتطرفة؟..

ودليل كذب اليهود يؤكده الإنجيل والقرآن والتاريخ أيضا، فبعد عهد داود وسلميان عليهما السلام الذي دام لبضعة عشرات من السنين فقط لا غير، انتهت سيطرتهم على فلسطين، وشرّدهم الله في كل أصقاع الأرض، وبقيت فلسطين لأصحابها يزرعونها ويعيشون على خيراتها إلى ما قبل النكبة التي تسببت فيها خيانة أعراب الزيت عام 1948  وعلى رأسهم المملكة الوهابية صنيعة الاستعمار البريطاني.

والسؤال الذي يطرح بالمناسبة هو: 

- إذا كان الله يحب اليهود ويكره أعدائهم، فلماذا شرّدهم وعرّضهم للسّبي قديما ولم يفعل ذلك ببقية الشعوب؟


- ولماذا حل بهم الهولوكوست في العصر الحديث وطردوا من أوروبا بعد أن نُبذوا وعُوملوا بعنصرية واحتقار من قبل الغرب، الأمر الذي لم يحصل مع القوميات الأخرى؟..

- ثم لماذا هزمهم الله في حرب لبنان وغزة عندما واجهوا رجال الله المخلصين، وهم اليوم يعلمون أن القادم سيكون أعظم، خصوصا عند حلول يوم الله الأكبر الذي سينقطع فيه نسلهم، بدليل الوعد الإلهي في سورة الإسراء بسبب كفرهم وانقلابهم على عهد الله حين استبدلوا عبادته بعبادة العجل وقتلوا أنبيائه وحرفوا كلامه وعثوا في الأرض إجراما وفسادا..

وهل بعد الكفر من ذنب؟ اسمعوا ما يقوله الإصحاح 9  من الآية 15 إلى 16 وكيف يأمرهم ربهم “يهوه" بالتوحش: "ها أنذا أطعم هذا الشعب أفسنتينا وأسقيهم ماء العلقم، وأبددهم في أمم لم يعرفوها ولا آبائهم، وأطلق وراءهم السيف حتى أفنيهم".. أليست هذه قمة الحقد والكراهية والإرهاب والإجرام على لسان رب اليهود المزعوم؟..

لذلك نقول، أنه إذا كان لليهود حق تاريخي وقومي وإلهي في فلسطين بزعم العهد، فإن للمجاهدين الأبرار من مقاومي الأمة شرف زوالهم والقضاء على شرهم وعهرهم وفتنهم وفسادهم في الأرض بموجب الوعد الإلهي الوارد في سورة الإسراء.

والله لا يخلف وعده، فويل للخونة الأعراب وغيرهم من المتأسلمين المُطبّعين من غضب الله وعذابه.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق