بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 2 يناير 2023

الصلاة بين السنة والقرآن.. (10/3)

 


(قل إنّ صلاتي ونُسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين)

الأنعام: 162 -

هل السّنّة مُكمّلة للقرآن حقّا؟

سنحاول الإجابة في بحثنا هذا على أهم الأسئلة التي طرحت حول موضوع الصلاة من قبيل: ما مفهوم الصلاة في القرآن؟ وما الفرق بين "الصلاة" (بالألف) و "الصلواة" (بالواو) كما كتبت في مصحف عثمان؟ ومنذ متى وكم صلاة فرض الله على عباده في اليوم؟ وما هي هذه الصلوات وما أوقاتها وكم ركعاتها؟ وما معنى الركوع والسجود في القرآن الكريم؟ وكيف كان النبي محمد عليه السلام يُصلي بالناس في المسجد؟ وهل تعتبر صلاتي الظهر والعصر من الصلوات المفروضة ومن شرّعهما ما دام القرآن لم يأتي على ذكرهما؟.../... 

وحيث أننا سبق وأن أجبنا باستفاضة عن سؤال متى فرض الله الصلاة؟ وذلك أثناء الحديث عن أسطورة الإسراء والمعراج، فإن الحجة الأساس التي بنى عليها فقهاء القشور وجوب الصلوات الحركية الخمسة، هي أن القرآن لم يبيّن للناس تفاصيلها، وتركها للسنة التي تعتبر وفق زعمهم وحيا مُكمّلا للقرآن، هذا بالرّغم من أن المُسلّمات التي ذكرناها في الجزء الأول من هذا المبحث تدحض مثل هذا الزعم جملة وتفصيلا، الأمر الذي يعتبر معه مثل هذا الاعتقاد مذهب كفر يتنكّر ما أكّده صاحب الدّين في كتابه، خصوصا وأنه تعالى قد قطع الشك باليقين حين قال لرسوله الكريم: (تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون) الجاثية: 6. 

وبالتالي، فالسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في هذا السياق هو: - هل القرآن فعلا نص ناقص يحتاج لسنة تكمّله؟

إن مثل هذا الزعم الذي يُبرّر به الفقهاء التشريع للناس باسم سنّة ابتدعوها ونسبوها للنبي محمد عليه السلام، لا يصمد أمام حجم التناقضات التي تزخر بها المنظومة السُنّيّة مقارنة بالحقائق القرآنية الواضحة، ومنها مثلا، ادّعاء فقهاء السنة والجماعة الحرص على صيانة كتاب الله من التحريف والزيادة والنقصان استنادا إلى قوله تعالى (إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون) الحجر: 9. وقوله: (وتمّت كلمت ربّك صدقا وعدلا لا مبدّل لكلماته وهو السميع العليم) الأنعام: 115. الأمر الذي يقطع الشط باليقين حول سلامة القرآن من التبديل والتحريف والتغيير، بل حتى علماء أهل الكتاب يعلمون أنه الحق مُنزّل من الله بشهادة القرآن، فكيف يشك فيه من يدّعون أنهم مؤمنين بما أنزل الله تعالى على رسوله عليه السلام؟

أما قول فقهاء الرسوم أنه لا توجد في كتب أهل السنة المعتمدة رواية واحدة صحيحة تقول بخلاف ذلك، ومنهم من أعلن أن من يقول بأن "القرآن طاله تغيير أو تبديل أو تحريف أو زيادة أو نقصان فقد خرج من دين الإسلام".. بل ذهب بعضهم حد القول استنادا إلى ما نقله كبار فقهاء الظاهر مثل القاضي عياض وابن قدامة والبغدادي والقاضي أبو علي وابن حزم والفخر الرازي وغيرهم كثير، بأن "من جحد – أنكر - من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفا مُتّفق عليه بين المسلمين كما ورد في مصحف عثمان فقد كفر"، وبالتالي "يكون دمه حلالا شرعا وقتله واجب" وفق نصّ الفتوة الشرعية التي أجمعوا عليها.  

حسنا إذن، لنرى هل طبّق الفقهاء فعلا هذا الحكم القطعي على من ادّعى أن القرآن ناقص أو به زيادة أو تحريف أو تبديل أو تغيير؟

بالبحث في التراث، يتضح أن مثل هذا الزعم لا يصمد أمام ما تزخر به كتب الفقهاء من تناقضات، خصوصا الأحاديث التي يعتبرونها من الصحاح كما وردت في الكتب الستة وعلى رأسها البخاري ومسلم، والتي تكفّر القائلين بأن القرآن فيه تحريف أو تبديل أو تغيير أو تحوير أو زيادة أو نقصان كما سبق القول، فعلى سبيل المثال، واستنادا إلى ما دوّنه الرواة المعتبرين من التقاة في التراث:

ها هي عائشة تقول "إن سورة الأحزاب كانت تقرأ في زمان النبي في مائتي سورة فلم نقدر منها إلا على ما هو الآن" - أي 73 آية كما هي في مصحف عثمان الآن – (الاتقان 3: 82، تفسير القرطبي 14: 113، مناهل العرفان 1: 273، الدرّ المنثور 6: 56 ـ وفي لفظ الراغب: مائة آية ـ محاضرات الراغب 2: 4 / 434).

وروي عن عمر وأبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس: "أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم". (الاتقان 3: 82 مسند أحمد 5: 132، المستدرك 4: 359، السنن الكبرى 8: 211، تفسير القرطبي 14: 113، الكشاف 3: 518، مناهل العرفان 2: 111، الدر المنثور 6: 559).

وعن حذيفة أنه قال: "قرأت سورة الأحزاب على النبي (ص) فنسيت منها سبعين آية ما وجدتها" (الدر المنثور 6: 559).

وروي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة: "كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها: لو كان لابن آدم واديان من مال، لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب" (صحيح مسلم 2: 726 / 1050).

وروي أنّ سورة الخلع (فراق الزوجة بعوض يأخذه الزوج منها) وسورة الحفد (السرعة إلى الطاعة) كانتا في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما كالتالي: "اللهم إنا نستعينك ونستغفرك، ونثني عليك ولا نكفرك، ونخلع ونترك من يفجرك" ... "اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخشى عذابك، إنّ عذابك بالكافرين ملحق" (مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25).

وروي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب، قال: "إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم.. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبتها: 'الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة، نكالاً من الله، والله عزيز حكيم'. فإنّا قد قرأناها" (المستدرك 4: 359 و360، مسند أحمد 1: 23 و29 و36 و40 و50، طبقات ابن سعد 3: 334، سنن الدارمي 2: 179).

وأخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: "إنّ عمر أتى إلى زيد بآية الرجم، فلم يكتبها زيد لأنّه كان وحده" (الاتقان 3: 206).

وروي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف: "ألم تجد فيما أنزل علينا: 'أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فأنا لا أجدها؟' قال: أسقطت فيما أسقط من القرآن" (الاتقان 3: 84، كنز العمال 2 ج / 4741).

وروي عن عائشة أنّها قالت: "كان فيما أنزل من القرآن: 'عشر رضعات معلومات يحرمن'، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله (ص) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن" (صحيح مسلم 2: 1075 / 1452، سنن الترمذي 3: 456، المصنف للصنعاني 7: 467 و470).

وروي عن عائشة أنَّها قالت: "نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله (ص) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها" (مسند أحمد 6: 269، المحلّى 11: 235، سنن ابن ماجة 1: 625، الجامع لأحكام القرآن 113:14).

أما آية الصلاة على الذين يصلون في الصفوف الأولى، فقد روي عن حميدة بنت أبي يونس أنها قالت: "قرأ عليّ أبي، وهو ابن ثمانين سنة، في مصحف عائشة: إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى. قالت: قبل أن يغيّر عثمان المصاحف" (الاتقان 82:3).

وأخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال: "القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف" (الاتقان 1: 242). بينما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار".

وبرغم إجماع المسلمين على أن القرآن الكريم المتضمن في مصحف عثمان هو ما أنزل الله على رسوله محمد عليه السلام كاملا غير منقوص، إلا أن عديد فقهاء السنة والجماعة يعتبرون ما جاء فيما أسموه بمصحف عائشة ومصحف حفصة من القرآن الكريم، هذا علما أن الأمر بالنسبة لعائشة وحفصة وغيرهما لا يتعلق بمصاحف كاملة ومكتملة، بل بكتابات خاصة نسخت على الجلد وغيره من مواد ذلك الزمان، وبعض هذه الكتابات جاءت مخالفة لما تضمنه مصحف عثمان:

وقد تضمن ما يسمى بمصحف عائشة عدد من الآيات المخالفة منها: 

- الآية 238 من سورة البقرة ونصها: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، لكن في مصحف عائشة حسب رواية مسلم من حديث يحيى بن يحيى التميمي عن يزيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم عن أبي يونس مولى عائشة (كتاب المساجد ومواضع الصلاة رقم الحديث: 629) ورد النص التالي: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وتقول أنها سمعتها من رسول الله، وواضح التناقض القائم بين صلاة العصر والصلاة الوسطى التي يبدو أنها غير صلاة العصر من سياق الآية، هذا علما أن لا وجود في القرآن إلى وجوب شيء اسمه صلاة العصر أو صلاة الظهر بالمطلق. وبرغم ذلك ذكرت عديد المصادر ما زعمته عائشة عن رسول الله منها: المحلى - ابن حزم -ج 4 - ص 254 - فتح الباري - ابن حجر- ج 8 - ص 146- عمدة القاري -العيني - ج 7 – ص 273 - المصنف – عبد الرزاق الصنعاني - ج 1 - ص 578- جامع البيان – ابن جرير الطبري - ج 2 - ص 752- جامع البيان – تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 2 - ص 249 - تفسير ابن كثير -ابن كثير - ج 1 - ص 300 - تفسير الثعالبي -الثعالبي - ج 1 - ص 479 – 480 الدر المنثور -جلال الدين السيوطي - ج 1 - ص 302 - فتح القدير -الشوكاني - ج 1 - ص 257 – 

- الآية 72 من سورة يونس ونصها: (وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ)، لكن في مصحف عائشة وردت كالتالي: (فمنها ركوبتهم ومنها يأكلون)، وقد وردت في مسند ابن إسحاق بن راهويه - ج 3 - ص 1042، وتفسير الثعلبي ج 8 - ص 136 والدر المنثور لجلال الدين السيوطي - ج 5 - ص 269.

- الآية 117 من سورة النساء ونصها في مصحف عثمان: (إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَانًا مَّرِيدًا). لطن في مصحف عائشة وردت كالتالي: (إن يدعون من دونه إلا أوثانا).  جامع البيان لابن جرير الطبري - ج 5 - ص 379، المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج 2 - ص 113، تفسير العز بن عبد السلام الدمشقي الشافعي - ج 1 - ص 353، تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 3 - ص 367، تفسير الثعالبي ج 2 - ص 301، الدر المنثور لجلال الدين السيوطي - ج 2 - ص 223، تفسير الألوسي - ج 5 - ص 148.

- الآية 56 من سورة الأحزاب ونصها في مصحف عثمان: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا). لكن في مصحف عائشة وردت كالتالي: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى) الإتقان في علوم القرآن - السيوطي - ج 2 - ص 67. 

أما مصحف حفصة فلم يخلو هو بدوره من تحوير وتحريف مقارنة بمصحف عثمان الذي أجمع عليه المسلمون كافة. ومثال ذلك:

- الآية 238 من سورة البقرة ونصّها في مصحف عثمان: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، لكن في مصحف حفصة وردت كالتالي: )حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَصَلَاةِ الْعَصْرِ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)، وواضح أن النص يفرّق بين الصلاة الوسطى وصلاة العصر بواو العطف ما يجعل صلاة العصر وفق نص حفصة صلاة مستقلة عن الصلاة الوسطى بعكس ما ذهب إليه الطحاوي في روايته عن علي بن شيبة عن يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عمرو بن رافع من أن صلاة العصر هي الصلاة الوسطى. وقد ورد النص في الجوهر النقي للمارديني - ج 1 - ص 465، ونيل الأوطار للشوكاني - ج 1 - ص 400 – 401، وجامع البيان لابن جرير الطبري - ج 2 – ص 763، وتفسير النسفي ج 1 - ص 117 وج 4 – ص 355، وتفسير الرازي ج 32 - ص 85، وتفسير ابن كثير ج 1 - ص 300، والدر المنثور لجلال الدين السيوطي - ج 1 - ص 304 – 305، وتفسير الألوسي - ج 30 - ص 227 – 228.

- الآية 11 من سورة النور ونصها في مصحف عثمان: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ). لكن في مصحف حفصة وردت كالتالي: (عصبة أربعة) بتحديد عددهم حسب ما رواه الألوسي في تفسيره ج 18 - ص 114، وفي تفسير القرطبي ج 12 - ص 200. 

- الآية 40 من سورة التوبة ونصها في مصحف عثمان: (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا)، لكن في مصحف حفصة وردت كالتالي: (فأنزل الله سكينته عليهما وأيّدهما بجنود لم تروها)، وذلك حسب ما ذكره السمعاني في تفسيره ج 2 - ص 312، وورد في المحرر الوجيز في فسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج 3 - ص 36، وفي تفسير البحر المحيط - أبي حيان الأندلسي - ج 5 - ص 45.

- الآية 154 من سورة الأعراف ونصها في مصحف عثمان: (وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)، لكن في مصحف حفصة وردت كالتالي: (وإنما أسكت عن موسى الغضب)، وذلك حسب ما أورده السمعاني في تفسيره ج 2 - ص 219، وفي المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - ابن عطية الأندلسي - ج 2 - ص 459.

- الآية 31 من سورة النور ونصها في مصحف عثمان: (غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَىٰ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ)، لكن في مصحف حفصة وردت بالجمع كالتالي: (أو الأطفال) حسب ما أورده أبي حيان الأندلسي في تفسير البحر المحيط ج 6 - ص 413، والقرطبي في تفسيره ج 12 - ص 236، والألوسي في تفسيره ج 18 - ص 145.

- الآية 5 من سورة الجاثية ونصها في مصحف عثمان: (وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون)، لكن في مصحف حفصة استبدلت الرياح بالأرواح فوردت كالتالي: (تصريف الأرواح)، ونفس الأمر بالنسبة للآية 164 من سورة البقرة ونصها في مصحف عثمان: (وبثّ فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب)، فاستبدلت كلمة الرياح في مصحف حفصة بـ "الأرواح" بالرغم من أن لا علاقة للأرواح بـ "السحاب" في الآية. حسب ما أورده السمعاني في تفسيره: ج 1 - ص 1632.  والقرطبي في تفسيره ج 2 - ص 1983. وأبي حيان الأندلسي في البحر المحيط ج 1 - ص 641 وأيضا في ج 4 - ص 396.

- الآية 24 من سورة المؤمنون ونصها في مصحف عثمان (ما هذا إلا بشر مثلكم)، لكن في مصحف حفصة وردت كالتالي: (ما هذا ببشر) ما يوحي بعكس المعنى وفق ما ذكره القرطبي في تفسيره ج 9 - ص 182.

هذا غيض من فيض والأمثلة أكثر من أن يسعها المقام، والسؤال الذي يطرح نفسه بالمناسبة هو: ألم يجمع فقهاء السنة على إخراج كل من يقول بتحريف أو تحوير أو زيادة أو نفصان في القرآن من الدين، بل وتكفيره وهدر دمه؟ وبالتالي، هل يسري هذا الحكم على عائشة وعبد الله بن عمر وأبو موسى الأشعري وعمر بن الخطاب وغيرهم لأنهم قالوا بتحريف القرآن حسب ما ورد في الصحاح من مرويات؟.. 

لا أحد من فقهاء السنة يجرُؤ على تكفيرهم وإخراجهم من الدين، ما يؤكد أنهم (أي الفقهاء إلا من رحم الله) اختاروا الكذب على الله وأمة المسلمين لتبرير المنظومة السنيّة كبديل عن الدين القويم كما شرّعه الله لعباده في القرآن الكريم، بزعم أن عقيدة أهل السنة تأسست من الشهرة والتواتر بحيث لم تعد تحتاج إلى من يقيم أدلة على صحتها كما يزعمون. 

لكننا نعلم اليوم عديد الأخطاء التي طالتها والافتراءات التي تضمنتها هذه المنظومة الواهية، ونعلم مدى اختلاف المسلمين حولها، في حين أن هناك إجماعا على القرآن. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو:

- لماذا نترك القرآن الذي عليه إجماع الأمة، والذي أوصانا تعالى الاعتصام بحبل الله المتين وصراطه المستقيم الذي لا يضل من تمسك به أبدا كما أأكّد لنا الرسول الكريم عليه السلام في خطبة الوداع، وبدل ذلك نتمسّك بقوّة بسنّة عليها اختلاف الأمة؟

يتبـــع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق