بحث هذه المدونة الإلكترونية

الأحد، 14 أكتوبر 2018

الحقيقـــة بيـن الفلسفـــة والديـــن

تمهيــــــد
الحقيقة مفهوم غامض وملتبس، نظرا لتنوعها باختلاف مجالاتها وأوجهها، ما يجعلها على المستوى البشري تتسم بالنسبية (نسبة لقائلها)، وهو الأمر الذي يطرح إشكالات كبرى في المجال النظري المعرفي، حيث اهتم المناطقة والفلاسفة والصوفية بالبحث عن تعريف دقيق لها خارج نطاق الأنساق الصورية السائدة، في محاولة لصبر أغوار جوهرها ومعرفة مدى ارتباطها بالأفكار المعبر عنها.../...


والحقيقة كانت ولا تزال غاية كل باحث يجد نفسه ملتزما باكتشافها وسط دوامة من الحيرة والشك، فيختار الأدوات المنهجية لإزاحة الغطاء عنها، ليفاجئ بعد حين، أن ما توصل إليه من تعريف لا يمثل الحقيقة التي كان يبحث عنها، بحكم التطور الذي يطال كل شيء بما في ذلك النظريات العلمية، فلا شيء يبقى ثابتا في النهاية سوى الحقيقة المطلقة التي لا يعرفها إلا الله تعالى، وأقصى ما يمكن للإنسان فعله في هذا الصدد هو تجديد المفاهيم القديمة المتجاوزة، وتصحيحها على ضوء المعاني التي تعطيها المعرفة في تطورها عبر الزمن.

ذلك أن الزمن هو بدوره كالحقيقة، مفهوم عصي عن التعريف، لأنه أمر نسبي يختلف باختلاف وجهات النظر التي ينظر بها إلى الأحداث في وقتها أو في وقت غير الوقت الذي جرت فيها.. وعموما يمكن حصر الزمن بشكل مبدئي بالإحساس الجماعي للأفراد على توالي الأحداث وتطورها بطريقة لا يمكن الرجوع فيها إلى الوراء، لأن الزمن في جريانه يشبه نهرا سريعا أو بطيئا يجري الماء فيه باتجاه محدد لا يمكن العودة فيه إلى الوراء.

من هنا نسبية الحقيقة لارتباطها بالزمكان الذي ظهرت فيه، والوقت هو المسافة الفاصلة في الخط الزمني بين مرحلة وأخرى، بين الماضي والحاضر والمستقبل.. أي بين واقع قديم وواقع قائم وآخر قادم، بين حقيقة تاريخية وحقيقة موضوعية وحقيقة غيبية، لارتباط المقولات بمحددات ما يعطيه الواقع الزمكاني من دلالات تعبر عن الحقيقة الذهنية المتوصّل إليها، ومدى استمرارها في الأذهان بمفهوم الديمومة والامتداد في حال صدقيتها، أو الانقطاع والاندثار حين يتبين عدم صحتها.

وتختلف الحقيقة باختلاف الباحثين عنها، فهي لغوية يطابق فيها المدلول المصداق عند المناطقة، وعقلية يستدل عليها بالمنطق البرهاني عند الفلاسفة، لكنها لدنية غيبية لا تدرك إلا بالمشاهدة والذوق اللذان يحصلان بالفيض والإشراق عند الصوفية.

الحقيقة عند المناطقة
يقول فلاسفة اللغة المعاصرون من أمثال فريج (Frege) وكارناب (Carnap) بضرورة الربط بين الحقيقة والمعنى، حيث أن الحقيقة لها معنى في تعريفهم. ومن ثم، فإن نموذج الحقيقة عندهم هو نموذج علمي، أي حقيقة عامة وكونية في نفس الوقت. لكن الحديث عن الحقيقة والمعنى في جانبه العام هو حديث مربك ومعقد، لأنه يتعلق بمجال يصعب تحسس أغواره وكشف خباياه. لذلك، فان نموذج الحقيقة لا يمكن أن يكون علميا كما يزعمون، متجاهلين الحقائق المطلقة التي لا يرقى إليها العقل البشري ويستحيل إخضاعها لشروط المنهج من خلال التركيز على المعنى والمصداق (Sens et Dénotation) كشروط ضرورية لحدود المراجعة والتثبت (les limites de vérifiabilité)، كما يقول العالم فريج في أطروحته حول "الحقيقة والمعنى".

إن القضية المنطقية عند الألسنيين تتكوّن من (حامل) للمعنى و (محمول) يحمل عليه المعنى.  وكل منهما يمثل حدا (terme) يمكن أن يكون له (معنى) ومدلول، أو مصداق، والمعنى وفقهم هو ما نفهمه عند نطقنا للحد.  أما المدلول أو المصداق فهو ما يصدق عليه هذا المعنى ويكون قابلا لحمله، أو لنقل هو المقابل الواقعي لما نعنيه، أي المرجع الذي نستند إليه في تأكيد ما نعنيه بالخطاب.

ويطرح الألسنيون كمثال يجسد إشكالية المعنى والمدلول بالنسبة للحد مفهوم " الله" سبحانه وتعالى، فيقولون إن الله له معنى ندركه، إذ هو الخالق والمدبر للكون. لكن الله كحد ليس له مدلول أو مصداق، أي ليس له مقابل واقعي بحيث نشير إليه ونقول هذا هو الله. ومن هذا المنطلق يرى فريج أن القضية التي تشتمل على هذا الحد لها معنى ولكن ليس لها مدلول مقابل يمكنها أن تدل عليه، وبالتالي لا يمكن أن نحكم على صدقها ما دمنا لا نستطيع التثبت منها يقينا، أو بلغة الألسنيين، هي قضية عبثية (absurde) ما دامت ليست لها قيمة حقيقية (valeur de vérité). وبالتالي، لا يمكن أن تؤسس معرفة، ذلك أن الحكم بالخطأ أو الصواب على قضية منطقية يقتضي أن يكون لها معنى ومصداق يمكن التثبت منهما لمعرفة مدى مطابقة الفكر للواقع.

وخطأ هذه النظرية يكمن في أنها لا تعترف إلا بالحقيقة الحسية، باعتبارها بناء عقليا مجردا وتمثلات ذهنية للإدراك الحسي، هذا علما أن الحقيقة في جوهرها هي مجرد بناء فكري يتجلى في واقع موضوعي قد يكون مفارقا للواقع المادي المحسوس ما دام هذا البناء الفكري يستطيع ولوج الباطن من الظاهر كما هو الحال في الحقيقة الدينية عند التعامل مع النص المقدس.

ودليل ذلك، أن هذه النظرية التي لا تستطيع الاستدلال على وجود كائن أسمى اسمه الله لمجرد استحالة اثباته من خلال مثال واقعي (مصداق) يدل عليه، تتجاهل الواقع الأنطولوجي المعقول الذي يتواجد خلف المدارك الحسية التي هي مجرد آثار تدل عليه. ويعد ذلك إنكار لباطن غائب وتشبت سطحي بظاهر حسي حاضر، برغم ارتباط الأخير بالأول (أي الظاهر بالباطن)، لأن الكون بما حوى هو مجرد مجلى ظاهر لحقيقة باطنة تقف خلفه وفق ما يؤكد الفلاسفة والصوفية معا برغم استحالة البرهان العقلي على ذلك.

ولعل أحسن من عبر عن هذا الواقع الأنطولوجي غير المرئي، الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين قال: (من عرف نفسه فقد عرف ربه)، لأن هذه المعرفة وحدها كفيلة بهداية الإنسان لمعرفة ربه معرفة إيمانية يقينية دون حاجة لمشاهدته لإثبات وجوده من عدمه، أو الاستدلال عليه بأدوات العقل التي لا يمكن أن تتجاوز مجال المحسوسات.
أما كارناب، فيميّز بين القضايا التي لها معنى والقضايا التي لا معنى لها (Sensé et Insensé). فالقضية التي لها معنى هي القضية التي لها قيمة معرفية، أما القضايا التي لا معنى لها فلا قيمة معرفية لها. وهنا يدمج كارناب مفهوم التركيب المنطقي للغة. ذلك أن تغيير التركيبة اللغوية للقضية يغير معناها، وبالتالي قيمتها المعرفية، وهذا يعني أن المعنى مع كارناب يصبح مرادفا للقيمة المعرفية التي يمكن أن تكون الخطأ أو الصواب، لذلك فإنه عندما يقول إن هذه القضية أو تلك ليس لها معنى، فإنه لا يقصد أننا لا نفهم منها شيئا، وإنما ما يعنيه هو أنه ليس لها قيمة معرفية، أي لا يمكن أن نقول عنها إنها صادقة أو كاذبة، وهو حال كل القضايا الميتافيزيقية عنده بالمفهوم المنطقي لا الأنطولوجي.

وبرغم هذا الاختلاف الجزئي بين فريج وكارناب، إلا أن الإشكالية لدى المناطقة عموما تكمن في السلامة المنطقية "La validité logique"، وليس في الحقيقة الأنطولوجية "la vérité ontologique" كما هي عند الفلاسفة، وهو جانب نجده حاضرا في طرح فريج لمسألة المعنى والمدلول (المصداق) بشكل لافت، وهذا يعني أن حقيقة المعنى عند المناطقة ليست واحدة، فهي حقيقة منطقية وأنطولوجية عند فريج وهي حقيقة لغوية ومنطقية عند كارناب، في حين أن معنى الحقيقة عندهم هو واحد وأساسه: السلامة المنطقية.

الحقيقة عند الفلاسفة: مفهوم الله نموذجا
الملاحظ في هذا الباب، وبحكم طبيعة الفلسفة التي تعتمد الأدوات العقلية للبرهنة على ما تطرحه من مقولات، إلا أنه عندما يتعلق الأمر بالكائن الأعلى يتحوّل الفلاسفة من عقلانيين إلى صوفية. هذا في حين يفضل تيار الإلحاد الهروب من هذه المعضلة بالقول، إن كل ما لا يدرك بالعقل هو من مجال الأسطورة والخرافة التي يستحيل إثبات حقيقتها بالمنطق الفلسفي، وبذلك ينزعون عن الفلسفة جوهرها المتمثل في المنطق المعرفي الذي يحدد ماهيتها ودورها وغايتها.

فسقراط مثلا، أمضى حياته يبحث عن الله فلم يعثر عليه بعقله، لكنه أدرك بنوع من الاعتقاد الإيماني الخفي، أن وراء هذا الوجود كائن سماه الحق المطلق، الذي يغمر الوجود بنوره، دون أن تستطيع العين رؤية مصدر هذا النور. لا نعلم تحديدا من أين استمد سقراط يقينه هذا، لكن ما قاله يتوافق بشكل كبير مع ما ورد في رسالات السماء، وما أكده الصوفية من أن الله لا يعرف إلا بنور القلب، وهو ما أكده القرآن بقوله: (الله نور السماوات والأرض) النور: ٣٥. وبالتالي، فهو مصدر كل الأنوار. ومعلوم أن النور لا يُرى لكننا لا نستطيه أن نرى الأشياء من دونه، وهذا يعني أننا نقر بوجوده دون أن تكون لنا القدرة على رؤية هذا الوجود.

ومن أشهر أقوال سقراط في الإلهيات: "أن النفس تحكم الجسد كما يحكم العقل الإلهي العالم". هذا الكلام لا يعني أن سقراط كان موحدا، بل كان مشركا يعتقد بتعدد الآلهة، لكنه كان يقول بوجود إله كبير فوقها. فقد زعم بالنسبة لخلق الكون، أن ثمة صانعاً ومدبرا فوق سائر الآلهة، وأن الآلهة الأخرى هي مجرد أدوات مخلوقة يستعين بها الله الأكبر في صنع الوجود (موسوعة الفلسفة - ج١ - ص: ٥٧٩)، وهو ما يتساوق من ناحية البنية الوظيفية، مع مستوى الألوهة الممثل بالأسماء والصفات الفاعلة في الكون وفق التصور الصوفي، باعتبارها  (أي الأسماء والصفات) هي الوسيط البرزخي بين الله والإنسان والعالم، وبإعارتها للإنسان بشكل محدود ومقيد أصبح هذا الأخير هو الوسيط بين الله والعالم.

أما أرسطو، فقال: "إن الله سبق العالم كما تسبق المقدمة النتيجة". وهو يزعم أن الصورة والمادة قديمتان أزليتان ليستا مخلوقتين، وهما متحركتان في الأزل موجودتان مع المحرك الأول الذي هو الله وفق قوله. ويوضح ذلك بالقول: "إن  المحرك الأول من غير أن يتحرك حرك الصورة والمادة فاجتمعتا فتكونت الأجسام من اجتماعهما". ويرى أن الله هو سبب نظام الأشياء الموجودة وترتيبها فقط، وأنه لا يتدخل في الأحداث الجزئية ولا يعتني بشيء في الوجود باستثناء ذاته (موسوعة الفلسفة – ج١ – ص: ١٠٦). وأرسطو بقوله هذا، يضع الله خارج الطبيعة لا يهتم إلا بنفسه، وقد أسس المعتزلة لمقولاتهم حول الصفات من هذا المنظور فقالوا إن الله لا يهتم بالأشياء البسيطة، هذا فيما يقول الصوفية إن الله تعالى هو الوجود كله من عرشه إلى فرشه، وأنه هو المدبر لكل شيئ كبيرا كان أم صغيرا، فلا شيئ يمكن أن يقع خارج علمه أو ضدا في إرادته أو من خارج مشيئته.
أما أفلاطون فيقول: "إن العالم آية في الجمال والنظام، ولا يمكن أبداً أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية (صدفة)، بل هو صنع عاقل كامل رتب كل شيء عن قصد وحكمة. وأن الله هو علة وجود العالم وسببه. وأن صور الأشياء التي يسميها (المُثل) أزلية" (المعجم الفلسفي – ص: ٣٠٣). ويعزى إليه قوله: "أن المادة أزلية أيضاً، وهي في حركة دائمة، وأن الصانع أوجد أولاً النفس الكلية مما يسميه المتشابه واللامتشابه، فصنعها شبيهة له، فهي ذات طبيعة إلهية، ومن النفس الكلية صنع العناصر الأربعة: الماء والهواء والنار والتراب. وأنه صنع من ذلك الكواكب، وجعل لها نفوساً خلقها مما بقي من خلق النفس الكلية، وجعلها "آلهة" عاقلة خالدة واتخذ منها أعواناً تصنع نفوس الخلق الآخرين. (المعجم الفلسفي – ص: ١٩٧). وبخلاف أرسطو، يعتقد أفلاطون، أن الله باعتباره الصانع فهو يعتني بسائر مصنوعاته كلياتها وجزئياتها (موسوعة الفلسفة – ج: ١ – ص: ١٦٨ وما بعدها).

أما أفلوطين المصري، فيعتقد أن هناك عالمين:
-       العالم الأول: هو عالم المعقول، وهو ثلاثة: الله والعقل والنفس. فالله عنده هو الأول، وقد صدر عنه العقل وهو شبيه به. والعقل: هو الحامل للصور وهو أبدي لا يفنى. والنفس: صدرت عن العقل وهي شبيهة به، وهي حاملة للصور بشكل أكبر من العقل.

-       العالم الثاني: هو عالم المحسوسات، وقد صدر عن النفس الكلية، فهي التي صنعته وأوجدته، كما أنها هي التي أمدته بالنفوس التي تبث الحياة فيه، وعنده أن الله لا يعتني إلا بالأشياء الكلية، أما الأمور الجزئية والفردية فلا يعتني بها ولا يعلمها. وهو القول الذي تأثر به المعتزلة في معالجتهم لمسألة الأسماء والصفاتكما سبقت الإشارة (موسوعة الفلسفة – ج١ – ص: ١٩٧ و ٢٠٤ إلى ٢٠٧). 

أما أكزنوفنس، فوصل إلى خلاصة تتساوق مع اعتقاد التوحيد ومفادها: "أنه لا يوجد في هذا الكون غير إله واحد و هو أرفع الموجودات، ليس مركباً على هيئتنا و لا يفكر مثل تفكيرنا، بل كله بصر، و كله سمع، و كله فكر، و إن إدراك كنه الإله الواحد العظيم مستحيل".

أما الفيلسوف والعالم الرياضي فيثاغورث، فيخالف طاليس في قوله "إن الماء هو أصل كل الأشياء، ويوضح ذلك بالقول: "إن الماء و الهواء و كل مادة مهما كانت لا تصلح لأن تصبح أصلاً لهذا العالم المركب من أشياء متباينة مادية وغير مادية، فلا بد لنا أن نبحث عن شيء له صفة عامة تشمل كل شيء من الماديات و غيرها، وما من صفة تشمل العالم بما فيه من المادة وغير مادة إلا صفة العدد، فالعدد إذن هو الصفة الوحيدة المشتركة التي يتصف بها كل ما في الكون، وهو وحده الذي يصلح أن يكون أصلا له، والأعداد عبارة عن تكرار الواحد، فالواحد إذن هو أصل الكون و علته و حقيقته".

هذا القول يتوافق بشكل تام مع ما ورد في القرآن الكريم حول مفهوم الواحد الثابت في كل عدد لقوله تعالى: (ما من اثنان إلا وهو ثالثهما، وما من ثلاثة إلا وهو رابعهما) وقوله:  أيضا: (هو معكم أينما كنتم)، وهو قول يلامس بشكل جزئي نظرية "كل شيءانطلاقا من القاعدة الرياضية العددية المتمثلة في الرقم الأساس: (١). وهي القاعدة التي أخد بها الصوفية لتفسير نظرية "الواحد الكثير والكثير الواحد" قبل ظهور نظرية "كل شيء" التي قال بها العالم الفزيائي ستيفن هوكينغ صاحب نظرية "الانفجار العظيم".

ويجزم بيركلي، بأن الانسجام الوظائفي في الكون، يرجع الفضل فيه إلى الله. وهو نفس القول الذي أكده العالم ألفريد أينشتاين وبنى على أساسه قانون النسبية.

ويقول كريسي موريسن، أن أسباب الإيمان بالحقيقة الإلهية يعرفها العلماء، وتأبى عليهم عقولهم أن يردوها إلى المصادفة.

أما كانط فيقول: "ينبئني ضميري بوجود إلهٍ للعالم". والمفارقة أن هذا الفيلسوف العقلاني يتحدث هنا عن الضمير لا عن العقل.

أما رونيه ديكارت الفيلسوف العقلاني والفيزيائي والرياضي الفرنسي واضع منهج الشك، والذي يعود إليه الفضل في نقل الفلسفة من مرحلة التأمل الميتافيزيقي القديم إلى مرحلة البحث المعرفي التي دشنت عصرا جديدا من الوعي، فقد عاش الحيرة والشك حول وجوده إلى أن اكتشف بمنهجه الفكري الدقيق والعميق وجود الله واستطاع البرهنة عليه بقوله: "إن وجود الله عندي أصدق من النظريات الرياضية". ويلخص ديكارت فكرته عن وجود الله بقوله: إنّ كلاً من المؤمن والكافر والشّاكّ، يقيم إيمانه أو كفره أو شكّه على رأي صادر عن عقله وفكره، وما دمت أفكّر، إذاً أنا موجود، وإذا كنت موجوداً، فإمّا أن أكون أوجدت نفسي، أو أوجدني غيري. فإذا كنت أنا الّذي أوجدت نفسي، فانّ فيّ عيوباً ونقائص لا بدّ من تلافيها كي أصل إلى الكمال، ولكني رغم شوقي إلى الكمال، فاني لا أستطيع تحقيقه، وما دمت لا أستطيع تحقيقه، فأنا عاجز. وما دمت عاجزاً عن تحقيق الكمال لنفسي من باب أولى، فإنني أشدّ عجزاً عن خلقي لنفسي.  وإذاً فقد خلقني غيري، وهذا الغير لا بدّ من أن يكون أكمل مني، لأن النّاقص لا يخلق ما هو أكمل منه، ولا يمكن أيضاً أن يكون مماثلاً لي، فلم يبق إذاً إلا المطلق، وهو الواحد الخالق الأحد" (تأملات ميتافيزيقية في الفلسفة الأولى – ترجمة كمال الحاج – منشورات عويدات – بيروت / باريس – طبعة ١٩٨٢).
ويشير إسحاق نيوتن، إلى "أن النظام الذي يتجلى في الكون يدل على وجود إلهٍ له". وهذا المنطق يتطابق مع المنطق الفطري البسيط والقديم القائل، بأن الأثر يدل على المسير، وهو نفس قول بيركلي بمفردات أخري، وتتساوق هذه الحقيقة مع اعتقاد الصوفية الذين يقولون بأن "النقش يدل على النقاش".

هذا فيما يعترف ألبرت أينشتاين بعجز العقل عن إدراك الله الذي لا يعرف إلا بالقلب، فيقول بتواضع العالم الكبير المتمكّن: "يشمل ديني على الإعجاب المتواضع بتلك الروح العليا غير المحدودة التي تكشف في سرها عن بعض التفصيلات القليلة التي تستطيع عقولنا المتواضعة إدراكها.. وهذا الإيمان القلبي العميق، والاعتقاد بوجود قوة حكيمة عليا، نستطيع إدراكها خلال ذلك الكون الغامض، الذي يلهمني فكرتي عن الإله".

وقال أيضا: "لا يمكنني أن أعتقد أن الخالق يلعب النرد بالدنيا". وهو عكس القول الذي ذهب إليه "دانت" في مؤلفه "الكوميديا الإلهية" التي يقال أنه استمد فكرتها الجوهرية من قصة جابر ابن حيان التوحيدي وبعض مقولات محيي الدين ابن عربي. وبذلك يتحول أينشتاين من عالم فيزيائي إلى مؤمن صوفي، يبحث عن الحقيقة بنور القلب لا بحجة العقل.

ويكشف سبنسرعن أن المجهول: "هو تلك القوة التي لا تخضع لشيء في العقول، لكنها مبدأ كل معقول، وهي المنبع الذي يفيض عنه كل شيء في الوجود". والفيض مصطلح فلسفي قديم استعمله الصوفية بكثرة للدلالة على النور الإلهي الذي يقذف الحقائق اللدنية في الروع.

ويلاحظ داروين صاحب نظرية "أصل الكائنات الحية" :"أن الأنواع تفرعت كلها من جرثومة الحياة الأولى التي أنشأها الخالق. وبرغم الانتقادات الشديدة التي تعرض لها بسبب هذه النظرية سواء من الكنيسة أو الإسلامويين، إلا أن مقولته حول أصل الأنواع تتطابق بشكل دقيق مع قوله تعالى: (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) النساء: ١. ما يؤشر إلى أن أصل الخلق هو من خلية واحدة، انقسمت إلى ذكر وأنثى فترتب عن تجاوزهما بقية المخلوقات بفعل التكاثر. وقوله (وقد خلقكم أطوارا) نوح: ١٤، يؤكد أن الله لم يخلق الإنسان دفعة واحدة بفعل عصا سحرية، بل خلال أطوار، وهو ما أكدته نظرية الرقي والتطور الداروينية، وكون المسلمين لم يستسيغوها فلأنهم لا يفهمون من كلام الله إلا ما يعطيه ظاهر اللغة من معنى ويرفضون التأويل بالرغم من أن النص القرآني عبارة عن علامات ورموز لا تكشف عن حقائقها الباطنية إلا لمن قبل بخوض المغامرة المعرفية بلا حدود ولا قيود. 

وعلى عكس زينون الايلي الذي قام ببناء نظريته على مقولة أن كل تأكيد هو نفي، جاء اسبينوزا في العصر الحديث ليؤكد العكس، أي أن كل نفي هو تأكيد” وهو نفس المبدأ الذي اقتنع به سارتر في آخر أيامه من خلال مقولته الشهيرة: "نفي الموجود موجود بمعني أنه إثبات لوجوده باعتبار أن الغير موجود لا يكون بحاجة إلى نفي أو إثبات، وبالتالي فبمجرد ذكرك (الله) سواء أتبثه أم نفيته فأنت تعترف بوجود شيئ إسمه الله من حيث تدري أو لا تدري، بحكم أن لكل إسم مدلول يؤكد وجوده وإن استحال إثباته من خلال المصداق المحسوس الذي يدل عليه ليدركه العقل.

 ويلاحظ أن شهادة الإسلام نفسها (لا اله إلا الله) هي مصداق لقول اسبينوزا، من حيث أنها تجسد النفي الذي يمهد للإثبات والتأكيد.. واسبينوزا فيلسوف يهودي هولندي، تأثر بفكر ميمونيد الأندلسي ومقولات ابن عربي، خاصة لجهة القول بوحدة الوجود. ولقد جاءت أفكاره مطابقة تماما لما قاله الصوفية في هذا الباب، وأن كان هؤلاء يفرقون بين الوحدة والثنائية على المستوى الوظيفي لا الأنطولوجي الوجودي. فبالنسبة إليه، ما في الوجود إلا الله، لأن الله هو الوجود الحق، ولا وجود معه يماثله، لأنه لا يصح أن يكون ثم وجودان مختلفان متماثلان، لأن قوانين الطبيعة وأوامر الله الخالدة شيء واحد بعينه، وأن كل الأشياء تنشأ من طبيعة الله الخالدة. كما أن الله هو الذي وضع القوانين التي تسير وفقها ظواهر الوجود بغير استثناء أو شذوذ، وللطبيعة عالماً واحداً هو الطبيعة والله في آن واحد، وليس في هذا العالم مكان لما فوق الطبيعة، وليس هناك فرق بين العقل كما يمثله الله وبين المادة كما تمثلها الطبيعة، فهما شيء واحد، وهذا هو معنى أنه لا موجود في الوجود إلا الله الواجب الوجود من غير شرط شيئ، وأن الكون من عرشه إلى فرشه هو الله وحده دون سواه، لعدم وجود شيئ معه أو من خارجه كما يؤكد الصوفية. وطبعا ما قاله الصوفية كان سابقا لما أكده اسبينوزا بعد ذلك بقرون عديدة.

أما هيغل، فلم يعمل إلا على جمع محصلة ما قال به بارمينيد وزينون واسبينوزا، ليؤسس للجدلية أو الديالكتيك، كما يقول د. محمد عابد الجابري في مؤلفه القيمة الإبستمولوجية لفهم العقل الغربي، ملخصا فكرته كما يلي: "كل تأكيد أو إثبات هو نفي، وكل نفي هو إثبات". ومن هنا أهمية النفي ليس عند هيغل خاصة، بل في داخل الفكر الفلسفي الأوروبي عموما، حيث يمر الإثبات والتأكيد دائما عن طريق النفي. وإذا كانت "الأنا" الغربية لا تتعرّف على نفسها إلا من خلال مرآة "الآخر" المختلف، فإن "الأنا" الشرقية لا تجد نفسها إلا في فكرة (الله)، وتمر عبر نفي ما سواه لتأكيد وجوده، وهيمنته، وتدبيره، من دون شريك في الملك أو الحكم، وهذا هو معني لا اله إلا الله” التي هي إثبات وتأكيد لوجود الله عقب نفي ما سواه.

وتذهب الفلسفة الحديثة في تصور (الله)  مذهب التنزيه عن التجسيد، وتمثله باعتباره فكرة ورمز أكثر منه ذاتا أو صورة.. وهو ما دفع بالدكتور عبد الكريم الخطيب للقول في كتابه (الله ذاتا وموضوعا –  ص: ٣٤١ – ٣٤٢)، إن الفلسفة الحديثة تخلت عن العقل في مجال الإلهيات واستنجدت بالتصوف في فهم ماهية الله، حيث يقول في هذا الصدد: "وقد أجرت هذه الفلسفة العقل إلى أبعد غاياته، فلم يدرك من ذات الله شيئا، وإنما وقف أمام مذهلات من إحكام الصنع، ودقة التعبير، في كل ذرة من ذرات الوجود.. وإذ عجز العقل عن إدراك التفسير المادي، وعن الرؤية الكاشفة لهذه القوة العاملة في تدبير الوجود وتنظيمه، فقد ترك الفلاسفة عقولهم هنا، وأخذوا يبحثون عن قوى أخري كامنة في كيانهم.. أخذوا يستدعون أحلام اليقظة، ومشاعر التصوف، فبدت لهم تصورات عن ذات الله أشبه بهذه الرؤى التي يراها أصحاب التصوف".

أما كارل يسبرس، الفيلسوف الوجودي الذي يتحدث عن الله لا كفيلسوف، بل كناسك صوفي، في الوقت الذي ترفض الوجودية من حيث المبدأ كل ما هو وراء الحس، بما في ذالك الإحساس الذاتي، فيقول: "الطريق إلى الله طريق شخصي، يبلغها الإنسان بالكفاح والمجاهدة في سبيل الوصول إليها، ولا يتلقاها كما يتلقى الهواء والنور". وحول معرفة حقيقة الوجود يقول: "لا يمكن الاهتداء إلى الوجود الأصيل إلا من ضمن الآنية، أي الاستغراق في الوجود، بمعني أن الذات إذا انسلخت عن العالم صارت ضبابا في ضباب". وعلى منوال طريقة الصوفية في معرفة الحقيقة بواسطة الرمز والإشارة، يؤكد يسبرس: "إن وجود المتعالي، تشعر به في ذاتك من خلال الإشارات، والإشارات لا تكون إلا في الآنية (الوميض). والإشارات لا تقوم بما تخلعه أنت على الأشياء، وتفسره على هواك.. لأن المتعالي هو واضع الكتاب، وهو يخاطبك بلسانه، فعليك الترجمة لفهم ما يقول  - أي تأويل الرموز والإشارات لفهم  جواهر المعاني - والإشارة بمظهرها الخارجي حقيقة تجريبية، أي موضوعية، والمتعالي الذي نلمحه من خلال الإشارة يبدو لنا من خلال موضوع، بدون أن يكون فيه شيء من الموضوعية.. كالصوت الذي يمر في الهاتف أو المذياع، وليس فيه منهما شيء".

أما برجسون العالم والفيلسوف الأمريكي المادي، فيترك نظرياته جانبا عند الحديث عن المتعالي، ويستند إلى فرضية توافق رؤية الصوفية الدينية في نظرتهم إلى الله والطريقة المثلى للتواصل معه، فيقول: "لو أننا ضربنا صفحا عن مادة التصوف، واجتزأنا بالنظر إلى صورته، لألفينا توافقا بين رؤى الصوفية بين رؤى الصوفية على اختلاف مذاهبهم وتعدد نظرياتهم". ويضيف متسائلا عن سر هذا التوافق العجيب:  فيقول: "ولكن، بماذا نعلل وجود هذا التوافق، وكيف نفسر اتحاد الصوفية فيما أدلوا به من شهادات، وانسجامهم فيما ذهبوا إليه من حركات؟".. فيجيب بالقول: "أليس الفرض الوحيد الذي يمكن أن يقنع به الباحث هنا، إنما هو ذلك الفرض البسيط الذي يسلم بوجود ذلك الكائن الأسمى الذي يعتقد الصوفية أنهم على اتصال مباشر به؟..  أعني ذلك الإله الحي الذي هو مصدر المحبة الفائقة التي يقرر الصوفية أنهم يشعرون بها ويصدرون عنها، ويستمدون قوتهم الحافزة منها؟".

وها هو فيلسوف أمريكي آخر إسمه وليام جيمس، يلبس خرقة التصوف للحديث عن الله، بالرغم من أنه فيلسوف براغماتي لا يؤمن بالخير والشر إلا باعتبارهما من الآثار الناجمة عن الخطأ والصواب، فيقول: "إنه يبدو لي – وتلك نتيجتي النهائية – أن العالم الخلقي المستقر المنتظم الذي يبحث عنه الفيلسوف، لا يمكن أن يوجد كاملا إلا حيث توجد قوة مقدسة، ذات مطالب عامة شاملة.. فإذا وجدت هذه القوة، فان منهجها في إخضاع أحد المثل للآخر سيكون المنهج الصحيح لتقدير القيم.. لذلك، ينبغي علينا كفلاسفة، ومن أجل تحقيق غاياتنا في إيجاد نطاق خلقي واحد، أن نفترض وجود الله".

هذا الافتراض الذي يدعو إليه جيمس، يجعله يؤمن بوجود عالم المثل والعدل والحب الإلهي الذي يؤثر على سلوك الإنسان في كل مناحي حياته الخاصة والعامة، فيقول: "إن إضافة صفة القداسة لله الذي أفترض وجوده، تجعلني أعتقد أن الله لا يريد إلا الخير. ولإضافة العلم الكامل لله أثر على سلوكي، لأنها تجعلني أعتقد أنه يمكنه رؤية أفعالي في الظلاموتصور العدل الإلهي يؤثر على سلوكي، حيث أن عقابي أمر محتم حين يرى مني عصيانا. وحب الله العباد يحملني على الاعتقاد بأنه ميّال للغفران وقبول التوبة".

غير أن جيمس بقوله هذا لا ينطلق من مسلمة الإيمان القلبي الراسخ بالله، بل من مسلمة عقلية، براغماتية، نفعية، وانتهازية على أساس افتراضي، يستخلص منها دعبد الكريم الخطيب الفرضية التالية: "ماذا يضيرنا إذا نحن افترضنا وجود الله، وحققنا من هذا الفرض كل تلك المكاسب الإيجابية؟ إنها صفقة رابحة لا شك". (الله ذاتا وموضوعا – عبد الكريم الخطيب – ص: ٣٤٥). بمعنى أنه إذا كانت هناك قيامة فاز الإنسان لإيمانه، أما إذا لم تكن هناك قيامة فلن يخسر الإنسان شيئا، بخلاف الذي يضع بيضه في سلة الكفر، فهو خاسر لا محالة.

أما الفيلسوف الأمريكي رويس، فيتخذ المقاييس المادية كمعيار يقيس بها حقيقة الذات الإلهية، مع انطلاقه من نظرة صوفية بحته في تعريف الله، فيقول: "إن العالم هو الجسد الكبير الذي يعبر الله عن نفسه فيه". ويشرح فكرته هذه بالقول: "ولكننا مهما دققنا النظر فيما نرى، فلن نرى إلا التعبير الظاهر من حركة ومادة.. لأن الطرف الباطن، هو مستحيل على المشاهدين من خارج". هذا الكلام مفاده، أن الروح سارية في كل الأجسام بما فيها تلك التي تبدو لنا جامدة لعدم استطاعتنا رؤية الحركة الدقيقة الكامنة بداخلها. وإذا كنت تستطيع أن ترى هذه الروح اللطيفة المسببة لهذه الحركة اللامرئية، فانك تستطيع أن ترى الله وهذا مستحيل.. وما دمت لا تستطيع أن ترى الروح ولن تراها مهما حاولت، فانك لن تري الله أبدا.

ويلخص هذا الفيلسوف العقلاني نظريته الصوفية العرفانية بطريقة علمية هندسية كالتالي: "إننا نقيس الوجود كله على وجودنا.. نرى إنسانا يتحرك فنستدل على أن ورائه روحا تحركه، قياسا على روحنا التي تحرك أجسادنا.. ثم نستدل على وجود روح في الحيوان بنفس هذا الاستدلال، ولكن على صورة أقل وضوحا مما هي عندنا.. فإذا وصلنا إلى النبات – الذي يتحرك في نموه – لم نر له روحا، لأن سلوكه لا يجري مع سلوكنا... ومع هذا، فان كثيرا من الناس – من ذوي البصيرة النافذة – ينفذون إلى أعمق من الظاهر، فيقولون بوجود روح فيه.. وإذا انتقلنا إلى عالم الجماد، وجدنا اتفاقا تاما على وجود روح فيه، لأننا نرى فروقا شاسعة بيننا وبين قطعة الحجر أو الحديد مثلا.. فننكر أن يكون له روح".

ولقد أكد العلم هذه القضية، بعد أن تبث بالملموس، أن كل موجود في الوجود إلا وفيه روح تحركه، بما في ذلك الحجر الذي ينبض بالإشعاع (Radioactivité)  من دون أن نستطيع رؤيته. ويرجع رويس أصل المشكلة إلى إدراك الفرق بيننا وبين بقية العوالم التي تبدو ظاهريا مختلفة عنا إلى البعد الرابع، أي السرعة، أو بتعبير النظرية الفيزيائية القديمة البعد الزمني، فيقول: "ولكن، ألا يجوز أن يكون الفرق بيننا وبين عالم الجماد أو النبات مثلا، راجع إلى اختلاف في سرعة التتابع الزمني أو بطئه.. بحيث نقول عن الشيء إنه يشبهنا في سلوكه الحركي، إذا رأينا في تتابع حركته تتابعا زمنيا يقرب من سلوكنا.. كما نقول عن الشيء انه لا يشبهنا حين يسرع في ذلك التتابع أو يبطئ؟..  ألا يكون سلوك الإنسان عادة من عاداته مثلا.. شبيها بدورة الأرض حول نفسها مرة كل يوم؟ أو كل عام مرة حول الشمس؟.. لكننا إذا رأينا بطء الحركة في أداء الطبيعة بالقياس إلى سرعتها في أداء الإنسان لعاداته، تعذر علينا أن ندرك النسبة بين الإنسان في سلوكه والأرض في سلوكها" (حياة الفكر في العالم الجديد – ص: ١٣١).

ويتطابق هذا القول مع الخلاصة التي وصل إليها أينشتاين في آخر أيامه، ومفادها، أن هناك وحدة بين القوانين التي تحرك الكواكب والأجرام الكبيرة كما الخلايا الدقيقة مع اختلاف في السرعة، ووحدة القوانين التي تحركها تدل على أن الخالق واحد.. والحقيقة أن ما قاله أينشتاين سبقه إليه محيي الدين ابن عربي حين قال ما مفاده، "لو أن الإنسان اكتشف سر الذرة، لعرف سر الكواكب كلها".

الحقيقة عند الصوفية
لكن، إذا كانت هذه هي الحقيقة بالمعنى اللغوي كما يختزلها المناطقة، والمعنى الفلسفي كما يطرحها الفلاسفة، فما هي الحقيقة من وجهة نظر الصوفية؟ (أقول الصوفية لأن فقهاء الشريعة الذين اشتغلوا على الظاهر لم يؤسسوا لثقافة تذكر في مجال الحقيقة).. إنها بالنسبة إلى الصوفية تتجسد في العلم اللدني الوهبي الذي يختلف عن العلم العقلي الكسبي.. والحديث هنا عن حقيقة معرفية تعجز اللغة البشرية عن التعبير عنها إلا مجازا بلغة الرمز والإشارة بدل لغة العبارة، باعتبارها حقيقة إشراقية حلولية، موطنها القلب لا العقل. فالحقيقة الصوفية لا معنى ولا مصداق لها بمفردات اللغة البشرية والصور الحسية التي يعتمدها المناطقة، وليس لها صور وجودية أو عقلية ظاهرة يستطيع الفلاسفة إدراكها بالمنطق العقلي الذي يشتغلون عليه. وهو ما يؤكد أن للحقيقة وجوه متعددة ومعان عديدة تختلف باختلاف مستويات متلقيها.

وإذا كان المعنى عند المناطقة شرط من شروط الحقيقة وعند الفلاسفة هو عين الحقيقة بالنسبة لقائلها بالمفهوم النسبي، فانه عند الصوفية وميض وإيحاء، أي مجاز يقتضي أخذه على غير ظاهره، وذلك من خلال تأويله.. وتأويله لا يتم وفق مدلول معين أو مصداق متوهم، بل وفق الحقيقة نفسها التي يجب مشاهدتها لتذوق معناها. لان الحقيقة عند الصوفي تعاش وتكابد، وهو ما يعني أن الحقيقة تصبح عنده شرط من شروط المعنى، فلكي نفهم المعنى علينا بلوغ الحقيقة.

وهكذا، فلا حقيقة دون معنى لفظي عند المناطقة، ولا معني دون برهان عقلي عند الفلاسفة، في حين لا وجود لمعنى دون حقيقة يقينية مشاهدة ومعاشة بالتجربة الروحية عند الصوفية. فلكل حقيقته، ولكل طريقته في الوصول إليها.. لكن ما يهمنا هنا بالدرجة الأولى هي الحقيقة الصوفية التي تنطلق من الحقيقة الدينية وتؤسس حكمها على الأشياء من منطلق الإيمان الباطني العميق، فترفض التقليد والجدل العقلي، ولا تنخدع بظواهر الرسوم والصور الظاهرة.

يستند الصوفية في تعريفهم للعلم اللدني على ما ورد في القرآن الكريم عن العبد الصالح في سورة الكهف حيث يقول تعالى: (آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنّا علما) الكهف: ٦٥. وبالتالي، يعتقد الصوفية أن مصطلح "العلم اللدني" جاء من هذه الآية تحديدا وأصبح متداولا بشكل واسع من قبلهم، باعتباره علما تعلمه العبد الصالح من الله تعالى من غير واسطة بالمشافهة والمشاهدة، وبذلك أصبح يوصف بأنه علم يقيني يتم عن طريق المشاهدة ببصيرة القلب والذوق الحسي (القنوجي – أبجد العلوم – الوشي المرقوم في بيان أحوال العلوم – دار الكتب العلمية – بيروت / لبنان: ج٢ – ص: ٤٦٩).

ويقول الفخر الرازي في تفسيره للآية ٦٥ من سورة الكهف: "إن ذلك يُفيد أن تلك العلوم حصلت عنده من عند الله من غير واسطة، والصوفية سموا العلوم الحاصلة بطريق المكاشفات: العلوم اللدنية" (الفخر الرازي – مفاتيح الغيب / ج٢١ – ص: ١٤٩).

وقد ألف الفقيه والفيلسوف الصوفي أبو حامد الغزالي رسالة في هذا العلم سماها "الرسالة اللدنية" ضمنها مجموعة رسائله المسماة "القصور العوالي من رسائل الإمام الغزالي". وفي هذا الصدد يقول الغزالي في مؤلف آخر: "إن العلم حجاب، وأرادوا بالعلم: العقائد التي استمر عليها أكثر الناس بمجرد التقليد، أو بمجرد كلمات جدلية حررها المتعصبون وألقوها إليهم، فأما العلم الحقيقي، الذي هو الكشف والمشاهدة بنور البصيرة، فكيف يكون حجاباً وهو منتهى المطلب" (الإحياء: 1/255).

وعن الغاية القصوى التي ينشدها الصوفي من معراجه المعرفي يقول الغزالي: "فغاية المعاملة المكاشفة، وغاية المكاشفة معرفة الله تعالى، ولست أعني به الاعتقاد الذي يتلقفه العامي وراثة أو تلقفاً، ولا طريق تحرير الكلام والمجادلة في تحصين الكلام عن مراوغات الخصوم كما هو غاية المتكلم، بل ذلك نوع يقين، هو ثمرة نور يقذفه الله تعالى في قلب عبد طهّر بالمجاهدة باطنه عن الخبائث ... فكن حريصاً على معرفة ذلك السرّ الخارج عن بضاعة الفقهاء والمتكلمين" (الإحياء: 1/46).

ويُعرّف الغزالي معنى المكاشفة بقوله: "فالقسم الأول علم المكاشفة، وهو علم الباطن، وذلك غاية العلوم.. فهو عبارة عن نور يظهر في القلب.. وتنكشف من ذلك النور أمور كثيرة كان يسمع من قبل أسماءها فيتوهم لها معاني مجملة غير متضحة، فتتضح إذ ذاك حتى تحصل المعرفة الحقيقية بذات الله سبحانه وبصفاته الباقيات التامات" (الإحياء: 1/18).

أما ابن خلدون، فيقول في (المقدمة - فصل علم التصوف): "... ولا يزال المريد يترقى من مقام إلى مقام، إلى أن ينتهي إلى التوحيد والمعرفة التي هي الغاية المطلوبة للسعادة... ثم إن هذه المجاهدة والخلوة والذكر يتبعها غالباً كشف حجاب الحس والاطلاع على عوالم من أمر الله، ليس لصاحب الحس إدراك الشيء منها".

ويصنف ابن عجيبة أعمال العباد حسب ما يوجد بين الإسلام والإيمان والإحسان من اختلاف، فيقول: "...والأعمال عند أهل الفن ثلاثة أقسام: عمل الشريعة، وعمل الطريقة، وعمل الحقيقة.. أو تقول: عمل أهل البداية، وعمل أهل الوسط، وعمل أهل النهاية. فالشريعة أن تعبده، والطريقة أن تقصده، والحقيقة أن تشهده.. فإذا تطهر من أوصاف البشرية تجلى بأوصاف الربوبية (إيقاظ الهمم: 10).

وحول موضوع التصوف يقول ابن عجيبة: "وأما موضوعه، فهو الذات العلية، لأنه يبحث عنها باعتبار معرفتها، إما بالبرهان، وإما بالشهود والعيان. أما البرهان، فهو طريق الفلاسفة، وأما الشهود العيان، فهو طريق المشاهدة القلبية للأنوار الربانية التي تقذف في الروع فتنجلي الحقيقة كاملة واضحة ليس بينها وبين بصيرة الصوفي حجاب" (إيقاظ الهمم: 5).

يتبين مما سلف، أن قصد الصوفي ومنتهى سعيه، ليس الذكر والعبادة من أجل الأجر والثواب فحسب، فذلك حاصل دون شك، ولا خوفا من النار أو طمعا في الجنة كما يفعل عامة العابدين لجهلهم بماهية الله ورحمته التي وسعت كل شيئ، وإنما للتلذذ بمناجاة الله حبا فيه وفناءا في حضرته، وذلك من باب الحمد والشكر الدائم المتصل بسبب حصول المعرفة الحقيقية التي لا تقال.. وبذلك فالصوفي يصيخ السمع أولا، ثم يفهم ثانيا، ويعلم ثالثا، ويشاهد رابعا، فيعرف خامسا.. كما يقول الشيخ داوُد بن باخلا في (الأنوار القدسية: 1/130).  

وبالنسبة للصوفي، هناك دائما علم وعالم ومعلوم... "فالعلم هو تصور النفس الناطقة المطمئنة إلى حقائق الأشياء وصورها المجردة عن المواد بأعيانها وكيفياتها وكمياتها وجواهرها وذواتها. والعالم هو الإنسان المحيط المدرك المتصور للأشياء. والمعلوم هو ذات الشيئ الذي ينتقش علمه في النفس، وأفضل المعلومات وأعلاها وأشرفها وأجلها هو الله سبحانه الصانع المبدع الحق الواحد" (الرسالة اللدنية ص: ٩٨ – ٩٩ ضمن القصور العوالي من رسائل الإمام الغزالي).

والعلم عند الغزالي: "شريف بذاته، لأنه ضد الجهل، والجهل من لوازم الظلمة التي هي من حيز السكون، والسكون قريب من العدم ويقع الباطل والظلالة في هذا القسم، فإذا الجهل حكمه حكم العدم، والعلم حجمه حجم الوجود، والوجود خير من العدم، والهداية والحق والنور كلها في سلك الوجود، فإذا كان الوجود أعلى من العدم فالعلم اشرف من الجهل، فإن الجهل مثل العمى والظلمة، والعلم مثل البصر والنور (وما يستوي الأعمى والبصير * ولا الظلمات والنور) فاطر: ١٩ – ٢٠، وصرح المولى سبحانه بهذه الإشارة فقال: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) الزمر: ٩". (نفس المرجع السابق -  ص: من ٩٨ إلى ١٠٠).  

والفرق بين العلم الكسبي والعلم الوهبي يكمن في أن الأول، يحصل في جوهر النفس ابتداء ولا بد من طريق يتوصل به إلى اكتساب تلك العلوم، كأن يكتسبها الإنسان عن طريق النظر والتفكير والتدبر والتروي والاستدلال، ويتم بالجهد والطلب.. أما الثاني، فهو أن يسعى الإنسان بواسطة المجاهدات حتى تشرق الأنوار الإلهية في جوهر العقل الذي هو القلب، فتحصل المعارف وتكتمل العلوم من غير واسطة سعي وطلب وتفكير وتأمل، وهذا هو المسمى بالعلوم اللدنية (نفس المرجع السابق – ص: ١٠٠).

ومن جهة أخرى، يقسم الغزالي العلم إلى علم شرعي وعلم عقلي، والشرعي عنده ينقسم إلى ما هو علمي وما يسمى بالأصول، وهو علم التوحيد وعلم التفسير وعلم الحديث، أما ما هو علمي وهو علم الفروعه كعلم الفقه وعلم الأخلاق. أما العقلي فهو علم الرياضيات والطبيعة وما شاكل... فالعلوم الشرعية هي المأخوذة بطريق التقليد عن الأنبياء عليهم السلام، وتحصل بالتعلم لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. أما العلوم العقلية فهي ما تقضي به غريزة العقل، وغير كافية في سلامة القلب، وهي إما ضرورية لا يدري من حصلت له ولا كيف حصلت، أو مكتسبة بالتعلم والاستدلال (الغزالي : إحياء علوم الدين - جـ 3 / 18- 19 ).

وبرغم تفصيل الغزالي في أنواع العلوم، إلا أن الصوفية يقسمونها إجمالا إلى علوم ظاهرة وعلوم باطنة، ويعتبرون علوم الظاهر علوم الشرائع التي أتى بها الأنبياء والرسل ليبينوا الدين لأقوامهم، فيما علوم الباطن هي من علوم الحقيقة التي لا يعلمها إلا الأولياء المقربون، وفق ما تؤكده قصة الخضر والنبي موسى عليهما السلام.

ويماثل محيي الدين ابن عربي بين حقائق الدين ومراتب العارفين فيقول: "إن حقيقة الوجود تقوم على التربيع وكذلك حقائق الإنسان، وهذه الأركان الأربعة هي الولاية والنبوة والرسالة والإيمان، ولهذه الحقائق أو الأركان ظاهر وباطن، والحقيقة المحمدية هي الأساس الذي تقوم عليه أركان الدين، كما كانت هي أساس حقائق الوجود وحقائق الإنسان معا" (فلسفة التأويل عند ابن عربي – المركز الثقافي العربي – الطبعة الرابعة ١٩٩٨ – نصر حامد أبو زيد – ص: ٢٤٦).

وإذا كانت الرسالة تمثل ظاهر الشريعة كما يقول ابن عربي في تفسيره لقول الخضر لموسوى عليهما السلام (ما لم تحط به خبرا) الكهف: ٦٨ بقوله: "أي أني على علم لم يحصل لك عن ذوق، كما أنت على علم لا أعلمه أنا" (فصوص الحكم – ج١ / ص: ٢٠٦)، فمن الواضح أن ابن عربي في شرحه لهذه الآية الكريمة يميز بين نوعين من العلم، علم الظاهر الذي هو علم الشرائع التي يأتي بها الأنبياء لأقوامهم ولا يعلمها غيرهم، وعلم الباطن الذي يعلمه أولياء الله وهو علم الحقيقة لدى الصوفية.. فإن الولاية تمثل باطن الشريعة، والولي أو الصوفي العارف هو القادر على تجاوز ظاهر الشريعة للولوج إلى باطنها حيث تكمن الحقيقة، لأنه يستطيع تصحيح الحديث أو تضعيفه بما يحصل عليه من علم وهبي في مجال السنة. أما في مجال القرآن فلا تتجاوز قدراته إطار الفهم أو تصحيح تفسير ناجم عن قراءة ظاهرية خاطئة عند التعارض بآليات التأويل. لأن الصوفي يستمد فهمه من باطن النبي الذي هو جانب الولاية فيه.

وبهذا المعنى، فالصوفي لا يصحح الحديث أو يضعّفه فحسب، بل له القدرة على فهم فحواه والحكم المتضمن فيه فهما يقينيا قائما على الكشف، بعكس الفقيه الذي يظل في دائرة الظنون والاحتمالات والقياس لأنه لا يستطيع الخروج عما ترك له السلف من موروث. وهو الحرص الذي نجده عند ابن عربي في الاستدلال على طروحاته من خلال استعماله لنصوص القرآن بغزارة، لدرجة يصعب معها التفريق في العديد من كتاباته بين كلام الله وكلام ابن عربي.. هذا في حين نلحظ العكس عند الغزالي الذي بحكم تكوينه الشرعي يستند في دعم أطروحاته على عدد كبير من الأحاديث النبوية، والتي في مجملها أحاديث ضعيفة باعترافه، لكن مضمونها لا يتعارض مع مضمون الآيات القرآنية، الأمر الذي جعله يحسن الأحاديث التي يستشهد بها برغم ضعف سندها.

ويدعم ابن عربي هذه الحقيقة بالقول، أنه إذا كان محمد – قبل رسالته – قد انقطع إلى ربه متعبدا بشريعة إبراهيم، فأنتج له هذا الانقطاع النبوة والوحي، فإن انقطاع الصوفي الوارث إلى ربه بظاهر الشريعة المحمدية، يؤدي به إلى بلوغ مرتبة الولاية المكتسبة التي هي فهم باطن الشريعة عن النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم (الفتوحات المكية: ١ / ٢٥١).

ولتأكيد صحة ما ذهب إليه في هذا الباب ، يقول ابن عربي: "إن الصوفية يتلقون عن الله بالبينة التي هم عليها من ربهم والبصيرة التي بها دعوا الخلق إلى الله عليها كما قال الله (أفمن كان على بينة من ربه)، وقال (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)، فلم يفرد نفسه بالبصيرة وشهد لهم بالاتباع في الحكم، فلا يتبعونه إلا على بصيرة وهم عباد الله أهل هذا المقام" (الفتوحات المكية: ١ / ١٩٨).

ووفق ابن عربي، فالأولياء يستمدون مشكاة الحقيقة المحمدية من جانبها الباطن، لأن "محمدا عليه الصلاة والسلام هو الذي أعطى جميع الأنبياء والرسل مقاماتهم في جميع الأرواح حتى بعث بجسمه صلى الله عليه وسلم فتبعناه، والتحق بنا من الأنبياء في الحكم من شاهده أو نزل بعده ( الحديث هنا عن عيسى بعد رجعته)، فأولياء الأنبياء الذين سلفوا يأخذون عن أنبيائهم، وأنبيائهم يأخذون عن محمد صلى الله عليه وسلم، فشاركت الولاية المحمدية الأنبياء في الأخذ عنه، ولهذا قال تعالى فينا (لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا)، وقال في حق الرسل (ويوم نبعث من كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم)، فنحن الأولياء شهداء على أتباعهم ونصرف الهمة في الخلوة للوراثة الكلية المحمدية" (رسالة الأنوار - ص ١٦ – ١٧)

ولا يفوت ابن عربي مناسبة دون مهاجمة فقهاء الرسوم بسبب جهلهم ببواطن الحقيقة الدينية وتمسكهم بقشور الظاهر، ويماثل بين ما وقع للرسل والأنبياء وأقوامهم من معاناة ومحن وبين ما حصل للصوفية مع فقهاء الظاهر من مآسي، فدفعوا حياتهم ثمنا لهذا الصراع حول الحقيقة الدينية بين الظاهر والباطن، ومنهم الحلاج والسهروردي وغيرهم، فيقول في هذا الصدد: (ثم إن الطامة الكبرى أنك إذا قلت لواحد من هذه الطائفة المنكرة اشتغل بنفسك، يقول لك إنما أقوم حماية لدين الله وغيرة عليه، والغيرة من الإيمان وأمثال هذا.. ولا يسكن ولا ينظر هل ذلك من قبيل الإمكان أم لا، أعني أن يكون الله قد عرف وليا من أوليائه بما يجربه في خلقه ويعلمه علوما من لدنه تكون العبارة عنها بهذه الصيغ التي ينطق بها الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الخضر وما فعلته عن أمري، وآمن هذا المنكر بها في زعمه إذ جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو كان مؤمنا بها ما أنكرها على هذا الولي" (الفتوحات المكية: ١/ ٢٥١ و ٢ / ٥٥٤ – ٥٥٥).



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق